Site icon IMLebanon

دولة “داعش” النفطية تنذر بتغيير خريطة الشرق الأوسط

بين المناطق التي يسيطر عليها في سوريا ومكاسبه المتزايدة في العراق منذ الثلثاء، تمكن تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) من السيطرة على مساحة متصلة من الاراضي تمتد من الضواحي الغربية لحلب السورية حتى بلدات في شرق العراق تقع على مسافة ساعتين من الحدود الايرانية، وسامراء على مسافة لا تبعد سوى مئة كيلومتر من العاصمة العراقية بغداد. فهل بدأت تظهر معالم دولة جديدة نفطية عابرة للحدود في الشرق الاوسط؟

تمضي “الدولة الاسلامية” في رسم حدود دولتها الموعودة، آملة في تحقيق حلمها باقامة خلافة اسلامية تمتد من المتوسط الى جبال زغروس في ايران، ومحولة أبو بكر البغدادي، أخطر رجل في العالم بالنسبة الى مجلة “تايم” وبن لادن الجديد بالنسبة الى صحيفة “الموند”، الجهادي الاقوى بلا منازع في العالم.

فبسرعة قياسية مفاجئة، تقدم مسلحو “داعش” من الموصل التي احتلوها الاثنين في اتجاه تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين، ومسقط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومنها الى بيجي ومصافي النفط فيها، في ظل مقاومة شبه معدومة من الجيش العراقي الذي خلع افراده بزاتهم النظامية والقوا اسلحتهم وغادروا مراكزهم. وبحلول الاربعاء، كان المسلحون يقاتلون القوات العراقية في أبو غريب وزيدان غرب بغداد، في ما يعكس قدرة التنظيم على التحرك على جبهات عدة. وتتحدث تقارير عن هجومين لـ”داعش” على مدينة سامراء حيث تجمع عدد كبير من القوات العراقية المنسحبة من الموصل.

ولم يتضح الا الاربعاء حجم الهزيمة التي لحقت بالجيش العراقي في الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية، وذلك عندما بدأ المقاتلون يسيّرون دوريات في المدينة ويدعون الناس الى العودة الى اعمالهم وحياتهم الطبيعية. وأقرت بغداد بأن المقاتلين سلبوا القاعدة الرئيسية للجيش في المدينة اسلحتها، وأطلقوا مئات السجناء ووضعوا يدهم على الارجح على 480 مليون دولار من مصارفها.

ونسبت صحيفة “الغارديان” البريطانية الى مسؤولين عراقيين ان كتيبتين من الجيش العراقي في الموصل تعدان 30 الف رجل تقريبا استسلمتا وتركتا مواقعهما امام هجوم شنه نحو 800 مقاتل من “داعش”.

مؤشر مهم

وفي تقرير مفصل ومرفق بخرائط، عرض معهد دراسات الحرب، وهي مؤسسة ابحاث اميركية، التطورات الميدانية في العراق بدءا بتحركات “داعش” قبل سيطرته على الموصل، الى حين وصوله الى مسافة 100 كيلومتر من بغداد.

وجاء في التقرير ان عمليات “داعش” حول سامراء في هذه المرحلة من الهجوم ستشكل مؤشرا مهماً لنيات التنظيم وحجم قدراته. فإذا كان ينوي مواصلة هجومه الخاطف في اتجاه بغداد، سيكون عليه على الارجح السيطرة على هذه المدينة التي تضم مزارات شيعية، حفاظا على الزخم والقوة. لكن سامراء بذاتها مهمة جدا، ذلك ان تدمير تنظيم “القاعدة” عام 2006 ضريح العسكريين فيها اشعل حربا اهلية في البلاد سقط فيها آلاف القتلى. لذلك، يتوقع ان يحاول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تجنيب البلاد مثل ذلك السيناريو من طريق حشد مزيد من القوات فيها.

ويبدو حتى الآن أن “داعش” ينفّذ هجوماً محكماً، أكثر منه تقدماً فوضوياً نتيجة انهيار الجيش العراقي في الموصل. ويتوقع مراقبون عسكريون هجمات جديدة للتنظيم في الساعات الـ96 المقبلة من أجل ضعضعة الجيش العراقي والتشويش عليه. ومع أن المقاتلين المتشددين بدأوا يواجهون مقاومة أكبر في تقدمهم جنوباً حيث يتمتع الشيعة بحضور أكبر، تختلف التوقعات لقدرة بغداد المحصنة والتي تعد غالبية شيعية وعديداً كبيراً من قوات النخبة، على صد هجوم لـ”داعش” بسهولة.

ولكن نظراً الى أن الهجوم هو الأوسع يشنه هؤلاء المقاتلون في العراق، ثمة من لا يستبعد أني قع هذا التنظيم ضحية نجاحه العسكري السريع الذي فاجأه هو قبل سواه، كما يمكن أن تتشتت قواته، الامر الذي يفقده القدرة على التصدي لهجمات مضادة محتملة من قوات أو عشائر عراقية أو حتى من مواطنين عراقيين، على غرار ما يحصل في الرقة، القاعدة السورية الأساسية لـ”داعش”.

الثابت حتى الآن أن الهجوم حرّك الخلايا النائمة لـ”داعش” في المناطق التي سيطر عليها وأن جماعات مسلحة ومسؤولين محليين تضامنوا معه. لذلك، يصعب تقدير حجم القوة المنخرطة في الهجوم وتركيبتها بدقة.

فاستناداً الى “معهد دراسات الحرب”، هاجم “داعش” الموصل بـ150 آلية مجهزة بأسلحة وما يراوح بين 500 و800 مقاتل. الا أنهم لم يؤكد ما اذا كانت أفراد من هذه القوة هم الذين انتقلوا الى بيجي وتكريت أو أن قوات منفصلة كانت قريبة من تلك المناطق تحركت للسيطرة عليها تباعاً. ويتساءل عن مدى تعاون البعثيين السابقين بقيادة عزة ابرهيم الدوري و”جيش رجال الطريقة النقشبندية” الناشطين في الموصل وتكريت مع “داعش”.

وفي تحليل منفصل، يقول المعهد إن المقاتلين الذين يتقدمون من الشمال قد يتواصلون مع آخرين ينشطون في محيط بغداد ليشكلوا تهديداً حقيقياً للعاصمة.

الساعات المقبلة

في أي حال، من شأن التطورات في الساعات الـ 24 المقبلة أن تحدد ما إذا كان “داعش” سيواصل هجومه بالوتيرة نفسها أم أنه سيأخذ استراحة لإعادة تجميع قواته والتقاط أنفاسه.

أما في سوريا حيث بدأ “داعش” قصة نجاحه، فقد أزال التنظيم جزءاً من الحدود بين العراق وسوريا حيث يسيطر على الرقة ومناطق أخرى. وقال ناشطون في موقع “تويتر” إن المقاتلين عرضوا في دير الزور سيارات “همفي” أميركية الصنع استولوا عليها من الجيش العراقي.

… حتى الآن، قوّضت المكاسب الاخيرة لـ”داعش” والانكفاء السريع للجيش العراقي ادعاءات واشنطن أنها أنشأت جيشاً قوياً وموحداً في العراق بعد أكثر من عقد من التدريب. وأياً تكن الجهات التي تقف وراء الزخم المفاجئ لهذا التنظيم، فمن شأن هذا الهجوم الواسع أن يبعث بهزات ارتدادية في أرجاء الشرق الأوسط وربما دفع دولاً بينها عداوات الى رص صفوفها في مواجهة ما سمي “ربيع الجهاديين”.