بين «الرئيس القوي» و«الرئيس التوافقي»، طار النصاب وذهبت فكرة «رئيس صنع في لبنان» أدراج رياح المصالح والأولويات المقلوبة، حتى لم يعد اللبناني يفهم حقيقة المطلوب من رئيس الجمهورية العتيد! هل تعني القوة فرض الرأي والسياسة بالقوة على الأفرقاء أم حماية الدستور والالتزام بأحكامه مهما كان ثمنها غالياً من حساب خطابه الشعبوي وتفاهماته الداخلية أو حتى التزاماته الدولية؟!
وهل المقصود بالرئيس التوافقي أن يعقد الصفقات ويستسهل التراضي ويعمل على أساس الأحباب والأصحاب فتذوب المؤسسات وتتبخر القوانين بحجة الهدف الهروب من الخلافات وتأجيل المشاكل، أم أن التوافق بات الشعار الذي يمثل السهل الممتنع في السياسة اللبنانية .. فالجميع يدرك أهميته وأنه لا سبيل للسير قدماً دونه وفي نفس الوقت يأبى الفرقاء تقديم التنازلات الضرورية بغية الوصول إلى الحد الأدنى منه لتوحيد الرؤية حول الوطن الذي نريد؟!
وأين القوة في ظل الفشل على التوافق، بدءاً من القيادات المسيحية، المعنية بشكل مباشر بتأمين المرشحين القابلين للوصول إلى سدة الرئاسة بشكل موضوعي وواقعي، وفق النظام الديمقراطي الذي بات يبحث عن تسمية جديدة في علم السياسة بعد التشوهات التي لحقت به في أكثر من استحقاق.
أما فخامة الفراغ الذي يحذّر منه القاصي والداني، فهو «صناعة لبنانية» بفعل إنقسام عامودي لبناني بشكل عام وماروني بشكل خاص، عجز الأقطاب بسببه عن التوصل إلى مرشح مقبول من الجميع، يصون الدستور ويؤمّن الاستمرارية للرئاسة الأولى، ليس خوفاً من شغور المنصب الماروني الأول بل من إفتقاد وطن لرئيس جمهوريته.
على أمل ألا يكون الفراغ قاتلاً بوجود الحكومة الحالية لإدارته وتسيير أمور البلاد والعباد، فلتتحمل كل الأطراف المعطِّلة مسؤوليتها الوطنية تجاه ما سوف تؤول إليه الأمور سواء من تعايش مفرط مع هذا الشغور أو فوضى مفتعلة وصولاً لتسمية معينة تحت ضغط الأمر الواقع.
إن قوة الرئيس العتيد تقاس بقدرته على التحرر من أجنداته الخاصة والانتقال من الخط الحزبي إلى الخط الوطني، حيث لا يمكن أن يكون طرفاً ضد آخر، ولا وجود لحواجز أمام قدرته على التواصل مع جميع الأفرقاء، ولا حرج عنده في تطبيق الدستور بحذافيره ومهما كانت التبعات… هل تنطبق هذه المواصفات على أي من المرشحين الحاليين الحزبيين منهم والمستقلين؟ حتى الساعة لم تفصل البدلة الرئاسية على قياس أحد، وبالتالي لم تأت كلمة السر ولم يتم التوافق الدولي، بما أن الإنتخابات اللبنانية، في آخر سلم الأولويات الخارجية.. ويبقى التعطيل لبنانياً بامتياز!.