Site icon IMLebanon

رئيس مكلف. رئيس قوي. رئيس مناسب

 

 

لا انتخاب لرئيس للجمهورية اليوم، لكن مواصفات الرئيس المقبل تبقى، في ميزان القوى الاقليمية والدولية، بين الرئيس القوي أو المكلّف. أي رئيس مناسب للبنان؟

 

يعرف النواب المسيحيون، والموارنة أكثر من غيرهم، أنهم لن ينتخبوا اليوم رئيساً للجمهورية. وهم يدركون ــــ بتعطيلهم النصاب بحجة الحق الدستوري، او بمشاركتهم مع العلم أن مرشحهم لن يصل الى قصر بعبدا ــــ أنهم يعيدون عقارب الساعة الى الوراء: يعودون الى حيث خضع المسيحيون في ما كان يعرف بالمنطقة الشرقية الى صراع دام لا يزال مستمراً، بوجوه مختلفة، منذ نحو 25 عاماً.

بعد 25 عاماً، يئس معظم المسيحيين من معزوفة ميشال عون ـــ سمير جعجع، مهما حاول مناصرو الطرفين حشد مؤيدين لترشيح معلن حديثاً او لترشيح مزمن، ومهما كانت صوابية الترشيحين، او العكس. ثمة استحقاق، اليوم، يتعدى المناكفات التي كلّفت المسيحيين والموارنة دماء وتهجيراً وحقداً أعمى لا يزال مستمراً، وبرهن عن نفسه في جلسة مجلس النواب الاخيرة، وما تلاها من ردود وردود مضادة. فالطوائف كلها خرجت من الحرب الا الموارنة. وخرج الزعماء المسلمون والدروز من حرب الجبل وحروب الإخوة في بيروت، وحروب المخيمات والتصفيات المتبادلة جنوباً وبقاعاً وشمالاً، وانتقلوا الى قلب السلطة وادارة اللعبة السياسية المحلية والاقليمية باتقان. اما الموارنة، فبقوا في ازمتهم الداخلية، وفي حروبهم العبثية التي أبعدتهم عن مركز القرار وعن الإدارة والحكم، وكل ما يستتبع ذلك من اهتراء في الجسم الماروني، المتمثل حالياً في انتاج طبقة سياسية سطحية، محور ثقافتها البروباغندا الاعلامية.
ثمة مسلّمة اساسية يجب اولا الاعتراف والاقتناع بها، هي ان المسيحيين خسروا مرجعهم الاساسي الذي كان يغطي عوراتهم، البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير. بعد الاعتراف بهذه الخسارة، يصبح ممكناً الانطلاق الى بناء مرحلة جديدة، والاخذ في الاعتبار المتغيرات الجوهرية التي يجب ان تقفل الباب امام مرحلة عمرها 25 سنة، والتأسيس لزمن لبناني جديد، لا لزمن مسيحي فحسب.

اليوم تبدأ فعليا
معركة البحث عن رئيس مناسب… لا عون رئيسا ولا جعجع ايضاً

اليوم تدور حلقات النقاش المسيحية، لشخصيات عالقة بين زمنين، حول الطريقة الفضلى للخروج من هذا النفق. لذا جاء التعويل على رئاسة الجمهورية، كممر اجباري لخروج المسيحيين من ازمتهم، لكن من قال ان الطوائف الاخرى، او الدول الاقليمية وعواصم القرار الدولي، معنية او راغبة حتى، في أن تجد اخراجاً مشرّفا لأزمة المسيحيين؟
نقاشات المسيحين اليوم، وخطبهم العلنية، هي للمطالبة برئيس مسيحي قوي، لكن متى انتخب اللبنانيون رئيساً مسيحياً قوياً؟
يمثل الرئيس كميل شمعون حلم المسيحيين بالرئيس القوي والصورة الوردية للبنان العز، لكن شمعون لم يصل الى قصر القنطاري، حينها، لانه رئيس قوي ويرأس كتلة نيابية وازنة، ويمثل ــــ كما تقول المعزوفة العونية منذ عام 2009 ــــ سبعين في المئة من المسيحيين. عز شمعون وجبروته وقوته وتألقه المسيحي، عرفه بعد خروجه من الرئاسة، منذ 1958 حين اصبح له حزب سياسي وكتلة نيابية متنوعة وحصة وزارية، وحين اصبح لاعباً في شؤون لبنان والمنطقة، وخصما للنظام السوري.
ولم يصبح اللواء فؤاد الشهاب رئيساً لان حالة شهابية اوصلته الى القصر، بل ولدت تلك الحالة خلال رئاسته واستمرت بعدها. ولم تكن حكما تلك حالة الرئيس الياس سركيس، الذي لم تنصفه الجمهورية بعد، ولم تفه كامل حقه.
يفتش المسيحيون اليوم عن رئيس قوي ام عن رئيس مناسب، كما كانت حالة سركيس كأفضل رئيس مناسب في لحظة مناسبة؟ والسؤال يصبح حقيقياً اكثر عند القول: اي رئيس يريد اللبنانيون، لا المسيحيون فقط، بعدما تغيرت اللعبة الداخلية؟ فما قبل الطائف يختلف عما بعده. وما بعد حرب التحرير وحرب عون ـــــ وجعجع يختلف عما كان قبلهما. والطوائف الاخرى شريكة اساسية في اختيار الرئيس، لا ورقة اقتراع فحسب.
بين الرئيس القوي والرئيس المكلف ثمة بَون شاسع. الرئيس المكلف ليس لطائفته فحسب، انما ايضا مكلف للطوائف الاخرى. دلت تجربة الرئيس اميل لحود والياس الهراوي ان عهديهما كانا مكلفين للبلد ولطائفتهما. لم يخسر المسيحيون يوما لا في الحرب ولا في السلم، كما خسروا مع الرئيسين المُكلفين: التدخل السوري، إحكام الرئيس رفيق الحريري قبضته على البلد، ما اثار يومها غضب بكركي، مرسوم التجنيس، التمديد، تراجع الدور المسيحي لمصلحة حلفاء سوريا، الاغتيالات، وما الى ذلك.
ثمة مرشحون مكلفون، ثمن رئاستهم مرتفع جدا. يمثل سمير جعجع وميشال عون ابرزهم. لا بل يمثل الثاني الرئيس الاكثر كلفة، لانه يتعاطى مع الاستحقاق كأن انصاره سيحتفلون غدا بالفوز في قصر بعبدا على غرار التسعينيات.
صار معروفا كيف يدير جعجع معركته ولأي هدف. ويعرف ان كلفتها المرتفعة، دُفعت في مرحلتها الاولى من جيوب المسيحيين. كيف لا، والموارنة ينبشون قبور خلافاتهم، ويفتحون سجلات الحرب وارتكاباتها، هو واثق ايضاً بأن الزمن للتسويات لا لانتخاب رئيس تحد، محلياً واقليمياً ودولياً. هو يعرف حدود لعبته، وان اي رئيس محمل بأثقال الماضي لن يصل الى بعبدا، مثله مثل عون، لكنه يريد حصة في الرئيس المقبل، ويريد اجوبة عن اسئلة باتت اليوم محور الحديث في الدوائر الضيقة. اسئلة حول مفاتيح وبنود وملفات وهواجس، باتت تحدد هوية الرئيس المقبل.
في نقاشات عونية مستمرة منذ ورقة التفاهم، قيل كلام كثير في الصالونات المغلقة، من بعض من صاروا اليوم نواباً، عن الورقة التي اطاحت منذ شباط 2006 حظوظ عون للرئاسة عام 2009. عادى عون الاميركيين يوم كانوا يحطون رحالهم في المنطقة، وحارب السوريين يوم أوكلت اليهم واشنطن رعاية لبنان، وذهب الى صدام حسين يوم قرر الاميركيون الحرب عليه. وحالف حزب الله يوم تخلى الجميع عنه، وذهب الى سوريا يوم انقلبت عليها دول العالم، وبدأ يتحول عنها حين تحاول ايران العمل كشريكة واشنطن في صياغة تفاهمات للمنطقة نوويا وكيميائيا. ويذهب الى السعودية والمستقبل يوم قرر الطرفان دعم سمير جعجع في مرحلة جس النبض الاقليمية حول الرئاسة اللبنانية.
بروفيل الرئيس المكلف لم يعد يجد صدى اقليميا. لا السعودية هي سوريا، ولا حتى ايران التي تدير ملفاتها بصمت وبخطى بطيئة، يمكن ان ترتكب اخطاء كالتي وقع فيها النظام السوري يوم قرر التمديد للحود. هذا البروفيل لن يقنع واشنطن حكماً، او فرنسا اذا افترضنا ان لها دوراً في الاستحقاق، بأن تأتي برئيس يغرق البلد في ازمات وتحديات، تبدو المنطقة في غنى عنها.
بين الرئيس المكلف والرئيس القوي، هناك الرئيس المناسب. هي عبارة يختصرها سياسي مسيحي في استعادة لتجارب سنوات ما قبل الحرب، معطوفة على ما يدور اليوم في كواليس طباخي الرئاسيات الاقليميين.
اليوم تبدأ فعليا معركة البحث عن رئيس مناسب، لا عن رئيس توافقي، بعدما استنزفت الكلمة معناها. الناشطون على خط الاتصالات الخلفية والدوائر الضيقة (حتى في جلسات المرشحين) يتحدثون بجدية عن مسار جديد في الانتخابات. لا عون رئيسا، ولا جعجع ايضا، والمستقبل سيدعم عون للرئاسة بقدر ما سيدعم حزب الله جعجع. بدءاً من اليوم بدأ التفتيش عن الرئيس المناسب.
رئيس مناسب، كما جاء كميل شمعون بدلا من حميد فرنجيه، وسليمان فرنجيه بدلا من الياس سركيس. في المقابل، كان هناك دوما مرشح رئاسي اسمه ريمون اده، (او حتى ادمون نعيم) لم يكن يوما رئيسا مناسبا للحظة الاقليمية والدولية المناسبة. في المعايير السياسية المارونية، لم يكن اسم ميشال سليمان او حتى الياس سركيس، (مع الفارق الشاسع بين الرجلين) ليرد في أذهان البيوتات السياسية المسيحية وغيرها، الا بسبب اللحظة المناسبة.
لكن مشكلة بعض المرشحين اليوم انهم لن يعيروا اهتماما للوحل الذي يغرق فيه الموارنة. هم مقتنعون بانهم مناسبون، وسيعددون في رحلة التفتيش عن الرئيس المناسب، الصفات التي تجعلهم رؤساء مناسبين… لا أقوياء ولا مُكلفين.