إذا كان الفراغ الرئاسي الذي حصل عند انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل انتهى بعد حرب داخلية أدت الى عقد اتفاق الطائف، ثم كان الفراغ الرئاسي الآخر عند انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود ولم يتم التوصل الى انتخاب خلف له الا بعد عقد مؤتمر في الدوحة، فهل من مؤتمر جديد مطلوب عقده لملء الفراغ الرئاسي، في حال حصوله، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وأين سيعقد للاتفاق ليس على انتخاب رئيس جديد فحسب بل للاتفاق على صيغة نظام جديد للبنان قد لا يتم التوصل اليها بسهولة.
وإذا كان اتفاق الطائف فرض وصاية سورية على لبنان دامت 30 عاماً واتفاق الدوحة أكد وجوب انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية توزعت فيها الحصص والحقائب على كل القوى السياسية بحسب حجمها ووزنها وفرض قانون الستين معدلاً كي تجري الانتخابات النيابية على أساسه على رغم مخالفة الدستور، فأي رئيس للجمهورية سيتم الاتفاق عليه وأي صيغة جديدة ستوضع للبنان ووصاية من ستفرض عليه لتنفيذ هذه الصيغة إذا ظل الانقسام بين 8 و14 آذار يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وكل شيء يدل حتى الآن على ذلك لأن لا نواب 8 آذار يصوتون لمرشح 14 آذار ولا نواب 14 آذار يصوتون لمرشح 8 آذار إلا إذا حصلت معجزة. فالدكتور سمير جعجع لا ينسحب إلا لمرشح من قوى 14 آذار إذا كان هذا المرشح يضمن فوزه بالاكثرية النيابية المطلوبة، وقوى 8 آذار لن ترشح رسمياً العماد ميشال عون إلا إذا ضمن تأييد نواب “تيار المستقبل”، لأنه من دون ذلك لن يحصل على الاكثرية النيابية المطلوبة ويصير شأنه عندئذ شأن الدكتور جعجع.
لذلك ينظر المراقبون بقلق شديد إلى احتمال حصول شغور في منصب الرئاسة الاولى حتى وإن كانت صلاحياتها تنتقل إلى الحكومة سداً للفراغ لأنه يخشى أن تنفجر من الداخل كونها تـتألف من اضداد ومن نقيضين لا يؤلفان وحدة وانسجاماً، وعندها يحصل الفراغ الشامل المخيف الذي لا خروج منه إلا بفرض عقد مؤتمر تأسيسي.
وفي المعلومات أن الدول الشقيقة والصديقة للبنان حرصاً منها على ابقاء أوضاعه السياسية والامنية والاقتصادية مستقرة، تسعى جاهدة للتوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية حتى وإن كان لإدارة الازمة الى ان تنجلي صورة الوضع في المنطقة ولا سيما في سوريا. لكن السؤال هو: هل الدول المعنية بوضع لبنان، وهي عديدة هذه المرة خلافاً للماضي، متفقة على اختيار رئيس للبنان؟ فإيران قد تكون لها مصلحة في تأجيل انتخاب هذا الرئيس إلى ان تنتهي المحادثات حول ملفها النووي وترقّب ردود الفعل العربية والدولية على التجديد للرئيس بشار الاسد كي يبقى الفراغ الرئاسي في لبنان ورقة ضغط في يد ايران لتحصل على ما تريد، ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة، والمملكة العربية السعودية تنظر الى الوضع في لبنان من زاوية مختلفة، فهي تريد انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية لئلا يصبح الفراغ ورقة ضغط ومساومة وابتزاز في أيدي من يقدمون مصالحهم على كل مصلحة. والولايات المتحدة الاميركية، وإن كان يهمها انتخاب رئيس في الموعد الدستوري، فانها قد لا تمانع في تأجيل انتخابه إذا كان ذلك يؤدي الى عقد صفقة تخدم مصالحها. أما فرنسا وهي التي لها علاقات تاريخية مع لبنان، فيهمها انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية لئلا يفتح الفراغ أبواب التدخل في هذا الانتخاب على مصاريعها، وعندما يكثر الطباخون “تتشوشط الطبخة”.
لذلك يرى سياسي مخضرم ان لبنان اذا دخل مرحلة الفراغ فينبغي ان تكون فرصة سانحة للاتفاق ليس على انتخاب رئيس للجمهورية فحسب بل للاتفاق أيضاً على شكل الجمهورية لانقاذها من الازمات التي تتخبط فيها عند كل استحقاق، كأن يصير اتفاق على حياد لبنان كي لا تظل صراعات المحاور تنعكس عليه سلباً وتجعل اللبنانيين ينقسمون حولها ويدفعون الثمن غالياً.
وعندما يصير اتفاق على هذا الحياد فلا بد من أن يسهل الاتفاق على الغاء الطائفية السياسية وهي علّة العلل لتصبح الرئاسات الثلاث مفتوحة أمام كل المذاهب لاختيار الاصلح والاجدر والأقدر.
إن الانتخابات الرئاسية من 15 أيار الى 25 منه سوف تصبح انتخابات كل يوم بيومه، فإما يصنع الرئيس في لبنان وعلى يد اللبنانيين أو يصنع في الخارج وتجمع “قطعه” حصصاً في لبنان…