Site icon IMLebanon

«ربط نزاع» بين التعيينات الأمنية والمشاركة في القرار

الحكومة تخضع لاختبارات تماسكها

«ربط نزاع» بين التعيينات الأمنية والمشاركة في القرار

تترقّب كل الأطراف المصير الذي ستؤول إليه الحكومة بعد اتخاذ القرار حول موضوع التعيينات العسكرية والأمنية، وبعد التحذيرات التي طرحها النائب العماد ميشال عون أمس، حول وجود أزمة حكم انطلاقاً من مشكلة التعيينات الأمنية، ونتيجة لما وصفه عون «تغييب الكتلة النيابية والسياسية المسيحية الوازنة عن المشاركة في القرار على كل المستويات، بدءاً من التعيينات، وصولاً الى انتخاب رئيس الجمهورية، إضافة الى عدم التزام التطبيق الصحيح لوثيقة الوفاق الوطني في الطائف». ما يعني أنه طرح مشكلة أكبر من مشكلة التعيينات الأمنية، تصل الى حد إعادة النظر بكل تركيبة الحكم واسلوب عمله!

ومع أن عون ترك الباب مفتوحاً أمام الخيارات في ضوء إجابة القوى السياسية على ما طرحه من حلول تسووية ودستورية، يبقى السؤال: هل يتخذ «التيار الوطني الحر» قراراً ما يهزّ الحكومة وقد يعطلها، وهي شبه معطلة أصلاً بسبب مناكفات أركانها وبسبب طبيعة تركيبتها الائتلافية، كما يقول رئيسها تمام سلام، والتي تختزن الكثير من التناقضات والخلافات لا الاختلافات فحسب، هو ما يجعل موضوع الاسلاك العسكرية اقل مشكلات الحكومة لانها تخضع لقوانين تضبطها، ولولا تدخلات السياسيين فيها لسارت مسارها الطبيعي بلا أي اشكالية، خاصة ان في المؤسسة العسكرية اليوم نحو عشرين عميداً مارونياً قريبين من سن التقاعد وعدد لا بأس به منهم يصلح لتولي القيادة، وكذلك الحال بالنسبة للضباط السنّة في قوى الأمن الداخلي.

يصرّ الرئيس سلام على تأخير استحقاق التعيينات الأمنية والعسكرية حتى اللحظة الأخيرة نتيجة التجاذب الكبير الذي حصل حول الموضوع، ووصول المواقف حوله إلى أعلى سقف سياسي ممكن، لكنه سيواجهه بالتأكيد بقرار يحفظ استمرارية المؤسسات العسكرية والأمنية، التي تواجه أول استحقاق شغور في أوائل حزيران المقبل بوصول المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص إلى سن التقاعد، لتكر السبحة في شغور مواقع عليا في الجيش، من رئيس الأركان في شهر آب، ثم قائد الجيش في ايلول، ومدير المخابرات في اوائل تشرين الاول والذي يتعذر قانونياً تأجيل تسريحه مرة رابعة، بسبب انقضاء 40 سنة على وجوده في الخدمة الفعلية.

لكن ثمة كلام كثير يفيد أن التوجه القائم حتى الآن هو تأخير تسريح بعض القادة الممكن تأخيرهم قانوناً، إذا استمر عدم التوافق السياسي، او انتظار كل استحقاق لوقته. بهذا المعنى تكون الاولوية حالياً للواء بصبوص، المفترض أن يبدأ البحث بأمره جدياً خلال أسبوع، ثم عندما يصل الوقت الى الباقين فتعالج كل وضعية بما يناسب.

الا أن ثمة من يسأل: لماذا تمّ الربط منذ الآن بين استحقاق قرب إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي الى التقاعد، بقرب إحالة قائد الجيش ورئيس الأركان ومدير المخابرات الى التقاعد، علماً أن بين إحالة اللواء بصبوص وبين إحالة ضباط الجيش الثلاثة بين ثلاثة وستة أشهر؟ ولماذا إدخال المؤسسات الأمنية والعسكرية في بازارات التجاذبات السياسية الحاصلة حول أمور سياسية ومالية واقتصادية وإدارية أهم بكثير من إحالة ضابط الى التقاعد وتعيين ضابط آخر مكانه؟

ومشكلة الحكومة لا تتوقف عند موضوع التعيينات العسكرية والأمنية، بل تتعداها الى مشكلات كثيرة حول تفاصيل إجرائية أخرى كثيرة، ليس أقلها الخلاف على مقاربة مواضيع مثل الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب وملفات الاتصالات والنفط والنازحين والتعيينات، وأخيراً حول مواجهة «حزب الله» للإرهابيين في جرود البقاع الشمالي، وكذلك حول الجلسات التشريعية التي تعطل فعلياً السلطة التنفيذية لا التشريعية فقط لأنها تمنع تنفيذ المشاريع التي تحيلها الحكومة الى المجلس النيابي، عدا ازمة التدخل بالقضاء وما ينتج عنها من ازمات، كما حصل مؤخرا مع قضية ميشال سماحة.

كما أن الحكومة تعاني خلل عدم التوفيق بين السياسات الإقليمية المختلفة، لا بل المتصارعة أحياناً على ارض لبنان والإقليم، لا سيما بين ايران ودول الخليج. لذلك تلجأ الحكومة إلى إرجاء الكثير من الاستحقاقات المهمة ومنها ما له طابع سيادي. ومن هنا تقول اوساط السرايا الحكومية، إنه لا يمكن لوم الرئيس سلام على «سياسة الاسترضاء» التي يتبعها تجاه كل الأطراف السياسية، ولا يمكن اتهامه بالعمل لمصلحة فريق سياسي داخل الحكومة، ولو كان في العمق مؤيداً لسياسة «تيار المستقبل» والسعودية، لكنه داخل الحكومة لا يفرّق بين مَن يصادق ايران وبين مَن يصادق السعودية، والجميع يشهد على ذلك في الجلسات وفي المقاربات السياسية للمواضيع التي تعنى بأمور البلد.

لذلك تبقى أزمة التعيينات الأمنية والعسكرية، بنظر المتابعين عن قرب، مفتعلة لأسباب سياسية وليست في أوانها، وهي باتت مضرّة خاصة بالمؤسسة العسكرية لكثرة التداول بها، ولأنها ترتبط بمحاولة البعض «ربط النزاع» قبل أشهر عديدة على موضوع تعيين قائد جديد للجيش، لترتبط بتشعبات سياسية أخرى أكبر وأخطر، تصل الى ما وصفه عون «المشاركة في القرار المتعلق بإدارة البلد بالشراكة الحقيقة الكاملة، ولحجز المكان للمسيحي الأقوى في موقع القرار».