أن تدعو الأمانة العامة لقوى 14 آذار مكوّناتها المشاركة في الحكومة للعودة إلى سياسة ربط النزاع، فهذا يعني احتمالاً من اثنين: إمّا وجود قرار واضح وصريح من قبل 14 آذار مجتمعة بالعودة إلى قواعد اللعبة السابقة، أو التلويح بالتصعيد السياسي لانتزاع تنازلات في الملفات المعيشية.
دعوة الأمانة العامة وزراء 14 آذار للعودة إلى ربط النزاع حازَت الموافقة المسبقة لـ«المستقبل» و«الكتائب» و«القوات» والمستقلّين
الاستقلالية الواسعة التي تتمتع بها الأمانة العامة في حركتها السياسية لا تنسحب على اجتماعاتها الدورية، وهذه مسألة بديهية، لأنّ أي بيان رسمي يصدر عنها يعبّر عن كل مكوّناتها. وبالتالي، هي مضطرة للخروج بموقف موحد يتقاطع مع جميع هذه المكوّنات، الأمر الذي يجعل بياناتها مدار توافق مسبق.
والهدف ممّا تقدّم القول انّ دعوة الأمانة العامة لوزراء 14 آذار للعودة إلى ربط النزاع التي وردت في بيانها الأخير حازَت الموافقة المسبقة لـ«المستقبل» و«الكتائب» و«القوات» والمستقلين أسوة بكلّ البيانات السابقة، وما على الطرف الآخر سوى أن يأخذ هذا التطوّر- الرسالة أو الموقف في الحسبان، والذي تعود أسبابه إلى الآتي:
أولاً، عودة «حزب الله» إلى التسخين العسكري على الحدود اللبنانية -السورية، خلافاً لمرحلة تأليف الحكومة التي كانت شهدت تبريداً على هذا المستوى، الأمر الذي فسّرته بعض الأوساط في قوى 14 آذار بأنه محاولة لاستغلال المساكنة الحكومية من أجل تنفيذ العملية العسكرية التي كان سَوّقَ لها في مرحلة سابقة بأنه أنهاها من خلال وَضع يده على كامل الحدود، فيما في الواقع أجّلها الى اللحظة التي يمكن أن يوحي فيها بأنّ هذه العملية تحظى بغطاء من قوى 14 آذار عموماً وتيار «المستقبل» خصوصاً، لأنه يخشى من ردود فعل إرهابية ويحتاج إلى غطاء سنّي لتجنّبها.
ثانياً، عودة 8 آذار إلى التسخين السياسي من باب القضايا الاجتماعية في محاولة لإخضاع 14 آذار وكسرها، حيث أنّ التصعيد في موضوع السلسلة والتصحيح والرواتب غير مبرّر إلّا في سياق العرقلة والتوتير المقصودين، خصوصاً أن مسالة صرف الرواتب مفضوحة ومزايدة في غير محلّها والوزير المعنيّ لم يسجّل أيّ اعتراض، ليس فقط في حكومات 14 آذار، إنما في الحكومة السابقة التي كانت من لون واحد. وبالتالي، المقصود هو البحث عن انتصار وتجميد العمل الحكومي.
ثالثاً، عودة السخونة إلى كل ملفات المنطقة بدءاً من العراق مروراً بسوريا وصولاً الى لبنان وفلسطين، وذلك تزامناً مع فشل المفاوضات النووية لغاية اليوم في إنجاز التسوية الموعودة والكلام عن تمديد لفترة ستة أشهر، ما يعني التمديد للأزمات التي يمكن أن تشهد مزيداً من السخونة والتوتير.
وحيال كل ما تقدم لا يمكن لقوى 14 آذار أن تقف مكتوفة الأيدي وتتجاهل التطورات المحيطة وتستمر باتّباع النهج ذاته وكأنّ شيئاً لم يكن، خصوصاً أنّ أي تساهل من قبلها سيرتدّ عليها، لأنّ التعبئة داخل شارعها انتقلت من التصويب على «حزب الله» إلى التصويب على سلوكها في ظل اتهامها بأنها تغطّي الحزب، وهي ليست في وارد التساهل في هذا المجال، لأنّ أيّ تهاون من قبلها يعني تسليم الشارع للمتطرّفين وجَرّ البلاد إلى الحرب.
وعودة 14 آذار إلى التشدّد السياسي أو إلى أدبياتها السياسية لا تعني تفجير الحكومة، إنما تصويب الأداء الحكومي، خصوصاً أنّ الطرف الآخر لم يحترم التهدئة القائمة، ولا بل استغلّها لمواصلة سياساته، الأمر الذي سيدفعها إلى الآتي:
أ- وضع قتال «حزب الله» في سوريا على طاولة مجلس الوزراء مجدداً، ولو على سبيل التذكير في كل جلسة من جلسات المجلس بغية مواصلة الضغط السياسي عليه، لا ترييحه.
ب- التشديد المتواصل على جعل الحدود من مسؤولية الدولة اللبنانية وحدها.
ج- دعوة «حزب الله» إلى تسليم سلاحه للدولة اللبنانية.
د- إحترام قرارات الشرعية اللبنانية والعربية والدولية وفي طليعتها المحكمة الدولية والقرارين 1550 و1701.
هـ – تطبيق القانون بالمساواة على الجميع، إذ من غير المنطقي توقيف مواطن سنّي بسبب حماسته الشخصية وذهابه للقتال في سوريا، فيما يتم غضّ النظر عن ميليشيا «حزب الله» التي تقاتل بعدّتها وعديدها. وبالتالي، إمّا يُصار إلى غضّ النظر عن الطرفين او منعهما معاً. أمّا الاستمرار في سياسة وَضع السنّي في السجن ومَنح الشيعي وساماً، فسيجرّ البلد الى حرب أهلية.
وهذا غيض من فيض التوجّه الجديد الذي تمّت مناقشته على أعلى المستويات، إن في شكل ثنائي، أو خلال الاجتماعات الدورية غير المعلنة، حيث اعتبرت الأوساط نفسها أنه يجب الإقرار أيضاً أنّ اللحظة السياسية التي تشكلت فيها الحكومة اختلفت عمّا هي عليه اليوم، ولكن هذا لا ينفي أنّ قوى 14 آذار ظهرت عبر مشاركتها في الحكومة وسلوكها بأنها مشروع سلطة، لا ثورة تغييرية أو حتى جبهة تبدّي الاعتبارات الوطنية على السلطوية على غرار حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة وحكومة الرئيس سعد الحريري، خصوصاً أنها انتقلت فجأة من حكومات ربط النزاع إلى حكومة فك ارتباط إلى حكومة تعاون وتنسيق. ومن هنا كان من الملحّ إعادة تصويب المسار… قبل خراب البصرة.