Site icon IMLebanon

رسالة بري لا تحتمل التأويل

لا يختلف إثنان على أن لبنان يعيش مرحلة مفصلية حادة على المستويات الإقليمية والعربية، كما والداخلية… حيث التحديات السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية، بل والبنيوية، تحيط به من كل الجهات، ولا يظهر في المعطيات المتوافرة عن الإتصالات التي تجري، ما يؤشر الى طبخة مشاريع حلول، توضع على النار الخفيفة لوضع حد لما يجري وتخرج لبنان من هذا المأزق…

من أسف، أن الأفرقاء اللبنانيين، المعنيين، وعلى إختلاف توزعاتهم السياسية و «التنظيمية»، يتصرفون على أساس من أنه «يجب الإنتظار وعدم التسرع في الإستنتاجات» فـ «الستاتيكو» القائم موضوعياً، بات يشكل هدفاً مرجواً يحرصون على ضبطه ضمن الحدود التي تجعله صالحاً، وهو يحظى برعاية خارجية (تحديداً دولية) تدرك أهميته في هذه المرحلة…

كل فريق عند مواقفه «يريك من اللسان حلاوة ويروغ كما يروغ…»

وكل عند قراءته وخياراته والتزاماته، لا يتراجع خطوة الى الوراء، وإن كان لا يتقدم خطوة الى الأمام، بانتظار تطورات الميادين الإقليمية، وما ستكون عليه «موازين القوى»، مع قناعة كافية، بأن «شبكة الأمان» الخارجية نسبية، ولا ديمومة لها، وإن كانت في هذه المرحلة متوفرة، ولا مشكلة، طالما أن الجيش اللبناني، وبالتنسيق مع سائر الأجهزة الأمنية والعسكرية، قادر على الإمساك بالوضع… بخلاف «شبكة الأمان» الداخلية التي باتت معطوبة سياسياً، بفعل العجز المتمادي على إنجاز إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية، والشغور الحاصل في الرئاسة الأولى وما بدأ يتركه بوضوح على سائر المؤسسات من سلبيات تمثلت في تعطيل عمل مجلس النواب، والجدل البيزنظي الذي تتسع دائرته حول ما اذا كانت بيضة الإنتخاب أولاً أم بيضة التشريع، ولا تقدم، وهو أمر إنعكس بدوره على عمل الحكومة الموقوفة عن عقد أي جلسة لا يصار قبلها الى «التوافق« على جدول الأعمال والحلول؟!

من المفارقات الأساسية التي تطبع الخطاب السياسي للأفرقاء كافة، إن الجميع يتكلمون عن «مخاطر خارجية»، تهدد لبنان، إن لم تتوفر الحصانة الداخلية الكافية، وهي مخاطر إن عبرت فلن يكون بمقدور القوى العسكرية والأمنية، وهي مكشوفة الرأس، إن تعطلها أو تخفف على الأقل من آثارها وتداعياتها وأضرارها، خصوصاً وإن لبنان دخل يومه الرابع والخمسين من دون رئيس جمهورية، والدولة من دون رأس، والإستحقاقات الأخرى (الإنتخابات النيابية) على الأبواب، وإن كانت مسألة التمديد حسمت في المبدأ، ولا تحفظات تذكر عليها.

من المفارقات ايضاً، إن الأفرقاء كافة، باتوا يتصرفون على أساس من أن «الشغور الرئاسي» مسألة عادية، بخلاف الصوت التحذيري الصادر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لفت الى «أن الحريق الخارجي آت الى الداخل اللبناني إذا لم يهب الأفرقاء جميعاً الى إطفائه وتداركه…»

كثيرون تحدثوا عن سقف زمني لإجراء الإنتخابات الرئاسية، البعض قال أيلول المقبل، والبعض الآخر، قال مطلع السنة الجديدة، وآخرون أمسكوا أنفسهم عن التصريح العلني… إلا أن الرئيس بري، وخلافاً لما جرت العادة عليه واستحقت لوماً من البطريرك الماروني بشاره بطرس الراعي متكرراً، إستشاط غضباً عندما سئل، هل يبقى الوضع على هذا «الستاتيكو» الى أيلول المقبل»؟! فأجاب: «أي أيلول، إنها مسألة أيام وإلاّ فإننا نتجه نحو الأسوأ…» فهل هذا الإنذار مبني على وقائع، أم محاولة لدفع الأفرقاء للتحرك؟

لا يخفي الرئيس بري، على ما نقل عنه في الأيام القليلة الماضية، إن الشغور في سدة رئاسة الجمهورية اضعف مناعة لبنان الداخلية، كما والخارجية، والآتي أعظم… وفي قناعته أن لبنان قادر على أن يستعيد 90 في المئة من مناعته، إذا جرى إنتخاب رئيس للجمهورية في وقت سريع، وسريع جدا، وقبل فوات الأون…؟! فكيف قرأ الأفرقاء هذا التحذير؟!

في قناعة أفرقاء على ضفتي الثامن والرابع عشر من آذار، كما في قناعة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، إن ما قاله بري يستند الى معطيات، لا إلى أوهام ومركبات خيالية، وهو بهذا التحذير أراد أن يهز أكتاف الجميع ان «انتبهوا، عوا وعوا»في رسالة واضحة التعابير شاء إن يقول فيها لأفرقاء الداخل ان الإتكاء على ضمانات الخارج، أياً كان هذا الخارج، عربي، إقليمي أم دولي وحدها، لا تكفي لتكون الضمانة، خصوصاً وان العلاقات السعودية – الإيرانية (أبرز عاملين إقليميين مؤثرين في لبنان) ما تزال تدور في حلقة مفرغة… وإن لبنان لا يحتمل ولا بد من خطوات داخلية، فاعلة ومؤثرة، أقله في إتجاه إنجاز الإستحقاق الرئاسي «وبعده لكل حادث حديث..»؟!