ارتفعت حمى الاتصالات والمواقف والمخاوف من الفراغ في الرئاسة اللبنانية قبل 7 أيام من انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيما أخذت التوقعات بحصول هذا الفراغ تنعكس داخل مجلس الوزراء، الذي اجتمع أمس برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام بعدما تعذر استكمال التعيينات في المراكز الشاغرة في المجلس العسكري في الجيش بسبب اعتراض رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون على هذه التعيينات مطالباً بتعيين قائد جديد للجيش.
ووجه الرئيس سليمان رسالة الى المجلس النيابي بواسطة رئيس المجلس نبيه بري، طلب بموجبها، استناداً الى الفقرة (10) من المادة (53) من الدستور، «العمل بما يفرضه الدستور وما توجبه القوانين لاستكمال الاستحقاق الدستوري تفادياً للمحاذير والمخاطر التي قد تنشأ جراء عدم انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قبل الخامس والعشرين من شهر أيار (مايو) الجاري». (راجع ص 7)
وبينما يزداد حراك الديبلوماسيين الأجانب والعرب في لبنان ويتصاعد قلقهم من عدم تمكن الفرقاء اللبنانيين من ايجاد مخرج لانتخاب رئيس في ظل استمرار تعطيل نصاب الثلثين، انتقل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مرشح قوى 14 آذار للرئاسة، الى باريس أمس محطته الأولى في اطار جولة قالت مصادر «القوات» لـ «الحياة» انها ستشمل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة للبحث في الاستحقاق الرئاسي اللبناني. ولم تستبعد المصادر أن يلتقي جعجع زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري خلال وجوده في الخارج، وهو ما رجحه أيضاً النائب أحمد فتفت من «المستقبل».
وينتظر أن يزور السعودية الاثنين المقبل رئيس الحكومة تمام سلام على رأس وفد وزاري لبحث الوضع اللبناني، لا سيما أزمة النازحين السوريين والتطورات المتعلقة بالرئاسة اللبنانية، اضافة الى الوضع الاقليمي.
وفيما قالت مصادر دوائر البرلمان إن بري لم يكن تلقى رسالة الرئيس سليمان حتى مساء أمس ليقرر في ضوئها الخطوة التالية، فإن مصادر نيابية قالت إن الرسالة توجَّه عادة من رئيس البلاد، إما بحضوره شخصياً الى البرلمان لتلاوتها على أن يحدد بري موعداً بعد 24 ساعة لمناقشتها من النواب، أو بإرسال نصها الى بري ليقوم بتلاوتها في جلسة تعقد بعد 3 أيام لمناقشة مضمونها في الجلسة نفسها، ويتخذ البرلمان القرار المناسب في ضوئها.
وذكرت مصادر بري أنه بعد أن يتلقى الرسالة ويطلع على مضمونها سيقرر الخطوة التالية وربما يتلوها في جلسة الخميس المقبل المحددة في 22 الجاري والمخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية.
وعلمت «الحياة» أن سليمان اتصل ببري صباحاً لإبلاغه بأنه حضّر نص الرسالة، ثم أرسلها اليه، وقالت مصادر رئاسية إن سليمان يفكر منذ بضعة أسابيع بالإقدام على خطوة من هذا النوع لكنه تريث طالما ان الرئيس بري يواصل الدعوة الى جلسات لانتخاب الرئيس لعلّ الجلسات المتتالية تنتج مخرجاً يؤدي لاختيار هذا الرئيس. وأوضحت المصادر أن سليمان رأى، بعد دخول مهلة الأيام العشرة الأخيرة أمام البرلمان لانتخاب الرئيس في ظل انسداد الأفق أمام انتخاب الرئيس الجديد أن يقدم على «خطوة حض البرلمان» على مضاعفة الجهود للحؤول دون الفراغ، خصوصاً أنه يتلقى العديد من المراجعات من القادة اللبنانيين والبطريرك الماروني بشارة الراعي حول القلق من الفراغ، وكذلك من الديبلوماسيين الأجانب. وذكرت المصادر الرئاسية أن سليمان أراد المبادرة الى حض النواب على انتخاب رئيس في آخر ولايته وقبل أن يغادر قصر الرئاسة ليل السبت المقبل، عبر التأكيد على عدد من المبادئ الدستورية والثوابت الميثاقية.
وقالت مصادر نيابية لـ «الحياة» إنه إذا كان بري سيدعو الى جلسة لتلاوة الرسالة قبل جلسة الخميس المقبل المخصصة لانتخاب الرئيس فإن هذا يطرح على النواب المسيحيين (تكتل عون تحديداً) الذين يتغيبون عن جلسات انتخاب الرئيس لإفقادها نصاب الثلثين، ما إذا كانوا سيحضرون جلسة تلاوة تلك الرسالة أم أنهم سيتغيبون عنها فيشكل ذلك صفعة لموقع الرئاسة باعتبار ان الدستور ينيط بها حق توجيهها الى البرلمان. وإذا ترك بري تلاوة الرسالة الى جلسة الخميس المقبل، فإن النواب الذين درجوا على تنفيذ قرار التغيب لتطيير نصاب الثلثين أمام تحدي الحضور أو عدمه في هذه الحال. وخيار الحضور سيضعهم في حال حرجة أمام الرأي العام والبطريرك الراعي وسائر المراجع التي تطالبهم بتأمين النصاب، خصوصاً إذا عادوا فانسحبوا من الجلسة بعد تلاوة الرسالة لإفقادها النصاب عند الانتقال الى انتخاب الرئيس، فيتم تحميلهم المسؤولية عن التسبب بالفراغ الذي تحذر الرسالة من مخاطره ومن انعكاساته على الحكومة.
وفي انتظار قرار بري في شأن الرسالة، قالت مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي في بيروت إن فرنسا تحض على أن يتوافق اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 25 الجاري. وذكرت المصادر إن ما يهم فرنسا ودول مجموعة العمل الدولية لدعم لبنان هو استمرارية المؤسسات، والرئاسة منها، ليتمكن لبنان من اتخاذ القرارات المناسبة في مواجهة تحديات النازحين السوريين والأمن والاقتصاد… «ويهمنا تفاهم اللبنانيين وفق المناخ الذي أنتج الحكومة الحالية في 15 شباط/ فبراير الماضي بتوافق بينهم، وسط مناخ اقليمي ملائم». وتمنت المصادر عدم انتظار اللبنانيين التقارب السعودي – الإيراني «لأنه سيأخذ وقتاً»، واعتبرت ان القول بإجراء الانتخابات الرئاسية السورية قبل الاستحقاق الانتخابي اللبناني أمر غير جيد.
وأوضحت المصادر أن لا مانع من أن تنسحب التسوية التي أدت الى تفاهم لبناني على الحكومة، على الرئاسة اللبنانية، لكنها دعت الى التفكير ببرنامج العمل للمرحلة المقبلة بدل البدء بالتوافق على اسم الرئيس لعل هذا يسهّل اختياره.
وقالت المصادر رداً على سؤال عما إذا كان لفرنسا فيتو على أي من المرشحين: «الآن ليس لدينا فيتو، أي مرشح إذا قرر اللبنانيون انتخابه المجتمع الدولي سيقبل به. لا شأن بتفضيل هذا المرشح أو رفض ذاك».
على صعيد آخر قال السفير السعودي علي عواض عسيري بعد لقائه البطريرك الراعي: «نحن نعول على الجهود التي يبذلها غبطته والمخلصون من أبناء لبنان لإيجاد حلول لكل ما يشوب الاستحقاق الرئاسي». ولفت إلى أن «المملكة العربية السعودية إذ تفرح لاستقرار لبنان،خصوصا بعد ما لمسناه من توافق جيد في الحكومة أدى إلى دعم مؤسسات الدولة وساعد بشكل كبير على تثبيت الاستقرار، تبدي تفاؤلها بالجهود التي يبذلها البطريرك».
وأكد أن «السعودية تدعم أي توافق لبناني لبناني بامتياز لانتخاب رئيس للجمهورية لأنه يؤمن الأمن والاستقرار للبنان، ولكن ليس من المفيد وليس من المعقول أو المقبول أن تتدخل المملكة أو أي دولة أخرى في الشؤون اللبنانية. وهذا الاستحقاق يقع على عاتق المسيحيين أولاً، وهناك شركاء لهم في هذا البلد». وقال: «هذا الموقع الرئاسي يخص الطائفة المسيحية بالدرجة الأولى، وبالتالي التوافق المسيحي المسيحي اللبناني اللبناني بالشراكة مع كل القوى السياسية عليه أن ينتج شيئاً. لذلك نتمنى أن يتوافق اللبنانيون على شخص قادر على أن يواجه التحديات، والسعودية تبارك أي توافق».
ودعا القوى السياسية كافة إلى «بذل الجهود لاتمام الاستحقاق، إضافة إلى ما يبذله الصرح البطريركي مع القيادات المسيحية والسياسية الأخرى الشريكة لهم في البلد لإيجاد حل يأتي بالحوار الصادق البناء المخلص والجامع لكل اللبنانيين». وقال: «أمامنا صيف واعد إذا تمت الانتخابات الرئاسية وتم اختيار الشخصية التي يتفق عليها اللبنانيون، وأعتقد أن لبنان سيعيش صيفاً محترماً ومثمراً ومفيداً».