ثمة عوامل موضوعية وشديدة القسوة في واقعيتها تبرر تعامل الرأي العام الداخلي بغالبيته الساحقة مع الاستحقاق الرئاسي بنظرة استخفاف او تقليل لأهمية المعركة الانتخابية. هي نظرة تبلغ حدود العبثية مرات وباتت اكثر نمطية من اي وقت سابق على غرار تلك الظاهرة التي يرشق فيها متظاهرون ومتظاهرات صور النواب بالحبر الاحمر ازدراء بمن اوصلوهم الى ساحة النجمة. بمعنى ان افتقاد التغيير والانطباع السائد بأن خارجا ما غالبا ما يقبع وراء الاستحقاقات الانتخابية يخلفان ضحيتين هما المفوض بالتمثيل والناخب سواء بسواء.
لكن ظروف الاستحقاق الرئاسي الطالع تجيز، ولو بكثير من الحذر، المغامرة برهان على تطور بدأت البيئة المسيحية تحديدا نسجه ان من خلال حركة المرشحين وتعدديتهم او من خلال محاولة متقدمة لتحريم الفراغ الرئاسي. وبصرف النظر عن كل اعتبارات فقدان الثقة بالقدرة المسيحية على منع شبح الفراغ المحتمل اظهرت المرحلة الاولية من الاستحقاق مقدار حاجة النظام اللبناني الى الحيوية الديموقراطية في حدودها الدنيا المناطة تلقائياً بالمسيحيين. يقبل المسلمون اللبنانيون على الاستحقاق الماروني منهكين بالنزاع المذهبي ذي الارتباط الاقليمي المكلف ولكن من موقع خطر ينذر باستتباع الرئاسة لهذا الصراع ولو تحت ستار هدنة حلت اخيراً .
وعلى رغم الأحجام المتفاوتة لارتباطات المرشحين بهذا المحور او ذاك عاين اللبنانيون اخيراً نزعة واسعة لدى المرشحين من الزعماء او سواهم الى ارتداء زي “مستقل” حتى من ضمن الحلف الواحد او من خارجه إثباتا للاهلية الرئاسية. يضاف الى ذلك ان احداً لا يمكنه الانكار ان تحلي الجماعة السياسية المسيحية بالتعددية لا يزال قيمة ثابتة فريدة لديها ولم نر في اعتراف زعامات متحاربة تقليديا لبعضها البعض بحقوق الترشح والتنافس بل حتى في القدرة التمثيلية الشعبية وبعض المواصفات سوى تكريس لهذه الميزة .
قد يقول قائل ان اعتراف الغريم لغريمه هو من ضروب المناورات الانتخابية وهذا صحيح. لكن النظام اللبناني امسى في مدارك من الهبوط المخيف والجفاف الديموقراطي بما باتت معه أعراف كهذه أشبه بالعملة المنقرضة. ولا خيار آخر لدى اي فئة في تقديم نموذج بديل من تعددية ضرورية حتمية واعتراف بالآخر على غرار هذه الطلائع أياً تكن نسبة الرهان عليها في انقاذ استحقاق هو في النهاية انعكاس لريادة المسيحيين في كونهم عضوياً ملح النظام الديموقراطي وحرياته السياسية وتعدديته خصوصا من ضمن المجموعة الطائفية الواحدة.
هل ترانا مبالغين في الرهان على ما قد يعده كثيرون سذاجة او افتعالا لايجابيات مضخمة؟
ربما. ولكن يتعين على المشككين ان يحدقوا جيدا في المرايا لمراجعة ما فعلته الاحاديات الطائفية بلبنان ونظامه قبل ان يلعنوا رهانا يتيما قد يفضي في لحظة الى انتخاب غير محسوب.