Site icon IMLebanon

زيارة كيري: إدارة الواقع واعتراف بالوقائع

لم تخرج زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن «السياسات الواقعية» التي انتهجَتها الإدارة الأميركية في ما يخصّ لبنان طوال فترة ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما.

«إدارة الواقع»، وليس إدارة الفراغ أو الشغور بحسب التعبيرات اللبنانية، صفةٌ تنطبق جيّداً على هذه الزيارة شكلاً ومضموناً. مَن يقرأ توقيت الزيارة وشكل اللقاءات التي عقدها كيري، والكلام الذي أدلى به، يمكنه أن يستنتج في أيّ سياقٍ زار رئيس الديبلوماسية الاميركية بيروت، وفحوى الرسائل التي أراد توجيهها.

من الواضح أنّها زيارة مدروسة جيّداً، وتمثّل المنطق الذي أرساه السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل من حيث وقوف واشنطن على مسافة واحدة من مختلف الأفرقاء اللبنانيين في الملف الرئاسي. هذا الكلام لا يعني أنّ الولايات المتحدة ليس لديها موقف ورأي حيال الاستحقاق الرئاسي، لكنّها لا تريد الآن إرسال أيّ إشارة تؤثّر على «الاستقرار» اللبناني، أو يمكن أن يُفهم منها أنّها تدعم مرشّحاً معيناً للرئاسة.

ساعات قليلة أمضاها كيري في لبنان كرَّس من خلالها ورمزيّاً دعمَ واشنطن للصيغة اللبنانية الحاليّة. إلتقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس الحكومة تمّام سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي. وبحسب المعلومات، «تلافى» الوزير الاميركي البقاء في لبنان ولقاء أيّ شخصية (مارونية تحديداً) خارج جدول أعمال الزيارة، حتى لا يُفسَّر ذلك على نحو لا تقصده الولايات المتحدة.

الصيغة اللبنانية هنا تعني «إتّفاق الطائف» بحسب التعريف الاميركي للنظام اللبناني. وعليه، التقى كيري بطريرك المورانة وموقع الرئاسة الثانية «الشيعي» والرئاسة الثالثة «السُنّي»، ليحاول القول إنّ بلاده لا تزال تدعم هذا النظام اللبناني وتتعامل معه انطلاقاً من الرموز التي تمثّله وتعبّر عنه.

لبنان تحت المتابعة الاميركية، ولكنّه ليس أولويّة اليوم بالنسبة إلى السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. ثمّة ملفّات اكبر وأهمّ في «أجندة» الخارجية الاميركية. المباحثات النوَوية مع ايران، وملف مكافحة الإرهاب، وعملية السلام في الشرق الاوسط وملفّا العراق وسوريا. وعليه فإنّ لبنان مرتبط بهذه الملفات بعمق، لكنّه ليس لاعباً أساسياً فيها، ويمكنه «انتظار» ما ستؤول اليه ملفات المنطقة، طالما إنّ فيه حكومة شرعية ومؤسسات وجيشاً وقِوى أمن قادرة على «إدارة الواقع الحالي».

هذه هي الفحوى الرمزية للكلام الاميركي في بيروت. أمّا دعوة كيري «حزب الله» وروسيا وإيران إلى التفاوض في شأن «القضية السورية»، فُتعبّر عن مزيد من الواقعية في النظر الى موازين القوى الجديدة في المنطقة، والتي جرى بناؤها وتصليبها انطلاقاً من النزاع السوري.

هذا الأمر ليس تحوّلاً في السياسة الاميركية في شأن سوريا، لكنّه يعكس قراءة أميركية غير منقطعة عن «الواقع والوقائع» التي ترتَّبت على مدى ثلاثة أعوام من الحرب على سوريا وحولها، والتي أفضَت إلى قواعد لعبة جديدة بدأت بالظهور انطلاقاً من 3 حزيران 2014، تاريخ انتخاب الرئيس بشّار الأسد لولاية رئاسية جديدة.

لم يأتِ كيري الى لبنان قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان. البعض يفهم هذا الأمر على أنّه تسليم اميركي بعدم القدرة على الدفع نحو انتخابات رئاسية، وتسليم بالتعقيدات اللبنانية التي أوصَلت إلى «الشغور»، وحصول الزيارة بعد انقضاء «المهلة الدستورية»، إنّما يؤكّد مواكبة واشنطن لكامل الملف اللبناني من دون القدرة على إحداث خرقٍ سياسي محَلي، في معزل عمّا تعيشه المنطقة والإقليم.

المساعدات «الإنسانية» المعلن عنها، وإثارة ملف النزوح السوري، هو متابعة لكلام أوباما عن تداعيات الأزمة السورية على لبنان وتركيا والأردن، وهذا لا يعني أنّ حضور أميركا سيقتصر على «الجانب الإنساني»، لكنّها مرحلة انتقالية إقليمية ودولية، حيث ينتظر الجميع جلاء المشهد كاملاً ليُبنى على الشيء مقتضاه… الأميركي.