في الوقت الذي كان رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل يمثل امام التحقيق بتهمة الدعوة الى “ثورة على جميع السياسيين في البلد الذين تسبّبوا بإفلاس لبنان …” كان الرئيس الفرنسي الاسبق نيقولا ساركوزي يتعرض للتوقيف في “قضية استغلال نفوذ” و”خرق سر التحقيق”. ولأن لبنان بلد فرنكوفوني يتأثر بما يدور في فرنسا، لا بد وان الشخصية المصرفية اللبنانية الاولى شعرت بالعزاء ان تمثل امام القضاء بدلاً من ان تتعرّض للتوقيف مثل رئيس فرنسي سابق خصوصاً ان دستور لبنان وقضاءه وسائر مؤسساته تقلّد نظيراتها الفرنسية. لكن الرئيس الفرنسي أحس بالشفقة على مواطنه الفرنكوفوني الذي لم ينتبه الى ان التهمة الموجهة اليه (أي باسيل) لا تحتاج الى التحقيق معه بل الى التحقيق مع السياسيين أنفسهم للتأكد من صحة ما يُتهمون به، فإذا ما تبينت صحتها مضت المحاكمة بحقهم في طريقها المرسوم وإلا فإن المحاكمة تتجه ضد باسيل. ولا داعي للشرح كثيراً. فلو كان العميد ريمون إده حيّاً وسأل مجدداً “من أين لك هذا؟” لتبيّن ان لبنان الرازح تحت جبل العجز والديون هو أيضا رازح تحت جبل من أثرياء العمل العام الذين كدّسوا ثروات هائلة في الوطن والمهاجر! ولا بد ان يعلم من لا يعلم ان هناك فرق شاسع بين قضاء ينتصر للحقيقة وبين قضاء تختصرها الحكاية الآتية: “كتب رجل على حائط في بلده عبارة “رئيس البلد حمار” فما كان من أجهزة الدولة إلا أن ألقت القبض عليه بتهمتين: التشهير برئيس الدولة وإفشاء اسرار الدولة”.
من غرائب لبنان وعجائبه أن تتبرّع جمعية المصارف بمبلغ كبير في اليوم الاول لتأهيل سجن رومية ثم يمضي رئيس الجمعية في اليوم التالي الى التحقيق. ربما اعتقد أصحاب “الأكف النظيفة” ان قصد جمعية المصارف ان تقلّد الفراعنة في الازمنة القديمة الذين كانوا ينشئون مدافنهم وهم على قيد الحياة، فكان ان أوحت المصارف الى “شرفاء” السياسة ان المصارف اهتمت بأحوال سجن رومية قبل ان تستقر فيه ولا بد من تحقيق أمنيتها! قد يكون من باب الانصاف القول ان باسيل اجتاز خطاً أحمر عندما دعا الى “ثورة على من تسببوا بإفلاس لبنان” وهو يعلم من موقعه كرئيس لجمعية المصارف ان القطاع المصرفي يمثل حالة ثراء لا إفلاس بفضل نجاحه في أستقطاب المودعين والرساميل مما جعل هذا البلد رمزاً لحيوية البقاء في ظل أوضاع تهدّد دوماً بالدمار. ألم يعلم باسيل ان من شعر بالقدح والذم من كلمة “ثورة” انه وجد ظلماً في ان يجري الحديث عن إفلاس بلد وفيه قطاع مصرفي في منتهى الملاءة؟ إذا كان المطلوب من باسيل اعتذار من باب الاحترام لمشاعر قوم اشتهروا بـ”رهافة الحس” فلا ضير طالما ان هؤلاء سيؤكدون لباسيل ومن ورائه القطاع المصرفي انهم حفاظا على “كرامتهم” سيجعلون لبنان الذي يحكمونه في حال تطبّق فيه القاعدة المعروفة “ظلم في السوية عدل في الرعية”. أي أنهم سيفلسون المصارف كما أفلسوا القطاع العام تأكيداً لعدالتهم التي ستجعل قراقوش ينفجر ضاحكاً.