يسألنا الناس بشتى الوسائل والأساليب أين أصبحت ورشة الاستحقاق الرئاسي، التي وعَدنا الرئيس نبيه برّي أن يجعلها مسألة أيام لا مسألة أشهر… مع التأكيد أن الفراغ الرئاسي المخيّم كغيمة سوداء في أجواء لبنان، سيمتلئ عاجلاً وسريعاً برئيس من عيون التوافق، مكلّلاً بالصفات والمواصفات التي تجعل لبنان يهتف مرحّباً: هذا هو ابني الحبيب، أو هذا هو الرئيس الذي به سُررت؟
لن نُحيلَ السائلين على رئيس المجلس الذي نعلم أنه يصل الليل بالنهار، سعياً إلى مخرج لمأزق ليس من السهل معالجة تعقيداته المتداخلة، والمتشابك داخلها مع الخارج، وبوضوح لا لُبس ولا غموض في هويته وأهوائه.
لكن اقتراب موعد الاستحقاق النيابي ومهلته التي تبدأ مع صباح اليوم العشرين من آب، لا بدّ أنه يطرق الأبواب العالية مع دقات متواصلة من ناقوس ما هو أشدّ وبالاً من الخطر…
اللافت، المثير للدهشة، أنها المرة الأولى، والأزمة الأولى، والمحنة الأولى، التي يبدو لبنان خلالها وحيداً وشبه منبوذ، كيتيم بكل معنى اليُتم في مرحلة مصيريّة، وكل الاحتمالات السيّئة والخطيرة واردة.
ومَنْ تعوزه البراهين، فها هو العراق من أمامكم وها هي سوريا من ورائكم، وها هي ليبيا عن يمينكم واليمن عن يساركم.
ومن يحتاج إلى مزيد من “المشاهد” والشهادات، فليتطلّع صوب غزّة حيث تعربد إسرائيل بإسراف في الإجرام المعروف عنها، والذي ترافقه الوحشيّة المعتادة في القتل الجماعي وتدمير كل شيء وكل حجر وشجر.
فماذا فعلت الشرعية الدوليّة إزاء هذه المجازر التي لم تعد تحرّك شعرة في رأس المجتمع الدولي والرأي العام العالمي. أما أميركا العظمى، فحدّث ولا حرَج، ولا عيب، ولا كأن الأمر يعنيها، ولا كأنها كانت يوماً الدولة العظمى وإمبراطورية العصر.
مأساة غزة كانت متوقّعة، وقد تُقرأ من زوايا واتجاهات عدة. أولها يبدأ في مصر وآخرها لا ينتهي في طرابلس الغرب، ولا يتوقّف عند الكوارث التي أطاحت العراق، عراق التاريخ وعراق الحضارات السبع، ولا يقفز فوق نزائف سوريا بوّابة الشرق.
إلا أن إسرائيل التي لها في كل “عرس” عربي قرص، وفي كل “ربيع” إصبع، لن تترك الفرصة تمرّ من غير أن تحاول استغلالها واستثمارها لمشاريعها التهويديّة وما إليها.
هذا كله يحصل ويتمدّد ويتوسّع من حولنا وحوالينا، فيما لا يمكن أن يتنازل مسترئس عن شغفه بكرسي المنصب الأوّل، ولا يمدّ مستقوٍ مقتدر يد العون لبلده في عزّ حشرته وزنْقته الرئاسيّة، ولا تحرّك المخاطر بكل أنواعها مروءة هذا الفريق أو ذاك… في غياب القرارات الإقليميّة الواضحة في هذا الصدد. وبلا قرارات، أو إشارات، أو فرمانات سيبقى كل شيء في أرضه.
فالرئيس اللبناني لا يزال يُصنع خارج لبنان، تماماً كما كان حاله قبل الاستقلال وبعده، وقبل الحروب وبعدها.