Site icon IMLebanon

ست سنوات.. ولا يندمل «الجرح المجيد»

 

 

أحداث7 أيار 2008 السوداء لا تعبّر سوى عن نيات أصحابها. ست سنوات مرّت وجرح غزوة بيروت والجبل لم يضمّد بعد. عنف وتهديد وتهويل وقتل، سلاح وقذائف واجتياح، الرعب لا يزال حتى اليوم مستتراً في العاصمة، مشاهد المسلّحين الكامنين عند زوايا البنايات وفي مواقف السيارات وعلى السطوح العالية حاملين عدّتهم الحربية من بنادق ورشاشات ومناظير وأجهزة اتّصال لاسلكية وذخائر، مشاهد النساء والأطفال يفرّون في الشوارع بحثاً عن مكان ما في عاصمتهم يؤويهم… أحداث تزدحم في ذاكرة البيروتيين وترتعب مخيّلتهم مخافة تكرارها…

منذ أيام أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق على موقعه عبر «تويتر» أنه وقّع على «قرار بتسمية شارع في بيروت باسم الشهيد غلاييني أحد شهداء 7 أيار باعتبار أن ما حصل محفور في ذاكرة بيروت ولا يمكن لأحد إلغاء هذه الذاكرة.» انتهى 7 أيار ولم تنتهِ مفاعيله فمن يعتذر لأهالي بيروت والجبل؟

أحداث 7 أيار الأهلية هي الأكثر خطورة منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990 مع اتّفاق الطائف، فانتهى 7 أيار باتفاق الدوحة. في جعبة قوى 8 آذار حجج وتبريرات «غبّ الطلب» والسلاح حاضر لتلبية خطط العنف والقمع والتعطيل السياسي والتهديد الأمني… داخل لبنان وخارجه.

في 7 أيار من العام 2008، وصلت «مواصيل» السلاح الى الجبل مهدداً سلامه بعدما زنّر بيروت وأهلها واعتدى على نسائها وشبابها، وقبلها «تجاوز» مجلس الوزراء وقراراته. في تلك الفترة، كان موقع الرئاسة الأولى شاغرا، وكان يرأس حكومة الوحدة الوطنية الرئيس فؤاد السنيورة. كان على الحكومة حينها أن تتّخذ، من جملة قراراتها، قرارين: الأول هو مصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بـ»حزب الله» معتبرة أنها «غير شرعية وغير قانونية وتشكل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام»، والثاني هو إقالة قائد جهاز أمن مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري العميد وفيق شقير وإعادته إلى ملاك الجيش، بعد بحث قامت به الحكومة اللبنانية في الاتهامات التي وجهها النائب وليد جنبلاط الى «حزب الله» على خلفية قيامه «بمراقبة مطار بيروت الدولي بواسطة كاميرات خاصة«.

كادت هاتان الخطوتان ان تكونا المسمار الأول في نعش السلاح غير الشرعي وارتكاباته بحقّ اللبنانيين الذين يدفعون ثمن مغامرات الحروب والسماح بالتدخلات الخارجية، إلا أن فريق 8 آذار واجه السياسة بالسلاح معتبرا أن الحكومة باتّخاذها القرارين تكون قد تجاوزت البيان الوزاري الذي يدعم المقاومة. ولما كانت الحكومة تُعتبر في نظر الحزب حينها، «غير شرعية» بسبب تجاوزها لميثاق العيش المشترك كون الطائفة الشيعية غير ممثلة في الحكومة باستقالة وزرائها وعدم وجود أي تمثيل وزاري لأكبر كتلة نيابية مسيحية يتزعمها النائب ميشال عون، قرر الحزب استعمال القوة لردعها وهكذا تعرّت المقاومة بعدما أسقطت بسلاحها ورقة التوت.

بالنسبة الى فريق 8 آذار، كانت خطوة الحكومة بمثابة «إعلان حرب» و»ملامسة المحرمات، وليس فقط الخطوط الحمر«… ما دفعه الى الردّ في الشارع وفي الإعلام باستهداف كل مواطن أو موقع أو حيّ يرتبط بصلة مباشرة أو غير مباشرة بـ»تيار المستقبل» وبالطائفة السنّية، وكان تاريخ 7 أيار يوماً أسود في ذاكرة اللبنانيين، يوم وجّه أخوة لهم في الوطن سلاحهم الى عائلاتهم ومنازلهم، لعرقلة واجبات الدولة في حماية أبنائها كما هو جارٍ اليوم تعطيل الاستحقاقات الدستورية بقصد إضعاف الدولة ومن ثم ترويع اللبنانيين كلّهم هذه المرة بسلاح خارج على الشرعية.

صباح بيروت

في 7 ايار 2008 استيقظت بيروت على صور غير معتادة في يوميات اهلها: مظاهر الحرب في الشارع، مئات المسلحين الملثمين انتشروا في الأزقة والأحياء وعلى سطوح المباني، أقفلوا الطرق المؤدية الى مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قطعوا أوصال العاصمة، نصبوا الحواجز، أحرقوا الإطارات، عمّموا الفوضى لأسباب سياسية وتنفيذاً لأوامر قيادتهم. توزع هؤلاء في شعاع مناطق وتجمّعات محسوبة على جمهور عصبه «المستقبل» لإعلان عصيان ميليشيوي كان بدأ بإقفال مجلس النواب ووسط بيروت، وكانت أصوات الأسلحة الرشاشة ودوّي الانفجارات والقذائف الصاروخية متواصلة في العاصمة، ودارت مواجهات مسلحة وجولات قتال استمرت 4 أيام.

أهالي بيروت همّوا بالهروب من بيوتهم مرتاعين من بدايات انتشار مسلّحي «حزب الله» وحركة «أمل» في الأحياء البيروتية الهادئة صبيحة الأربعاء 7 أيار. نوبة من الرعب أصابت الرجال كما النساء والأطفال، فالمسلّحون اتّخذوا مواقع الهجوم بانتظار إشارة انطلاق عملياتهم العسكرية الميليشيوية. وما إن لعلع الرصاص في الهواء حتى راح البيروتيون يبحثون عن مكان يؤويهم طالبين الأمن والأمان والطمأنينة، إلا أن أحزاب الوصاية السورية اتّحدت لترويع البيروتيين في عقر دارهم، كأنما أرادت أن تحقق «نصراً إلهياً« في مواجهتهم… وما زاد من رعبهم رعباً كان خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» بعد ظهر 8 أيار الذي راح يفنّد فيه دور سلاح الاتصالات والإشارة وأهميته لمقاومته انتصاراتها، مُطلِقًا التهديدات الحربية!

على 888

في 11 أيار وقع المحظور في مناطق الجبل وتحديداً في الشويفات ودير قوبل وعرمون وكيفون ومحيط سوق الغرب وعاليه وتلة الـ888 الإستراتيجية، حيث سعى «حزب الله» الى قلب التوازنات وكسر رمزية الجبل باحتضانه لكل الطوائف والمذاهب والأحزاب، والى تشويه مبدأ العيش المشترك الذي تعرض لنكسة حقيقية في غزوة 7 أيار التي وصفها الأمين العام لـ»حزب الله» بـ»اليوم المجيد«. وحمّل «حزب الله» النائب وليد جنبلاط «شخصياً مسؤولية مصير 3 من عناصره»، حيث اتّهمه باختطاف ثلاثة من عناصره وتصفية اثنين منهم. ودارت مواجهات بين مناصرين للحزب «التقدمي الاشتراكي» و»حزب الله» في تلك المنطقة.

الانتقام من «المستقبل»

لم يكن وجه بيروت والجبل وحده الذي تبدّل، فما هي إلا ساعات حتى تغيّر المشهد الإعلامي برمّته، وتوقّف تلفزيون «المستقبل» عن البث. فبعد حرب الشوارع التي شنتها عناصر سرايا المقاومة التابعة لـ»حزب الله» على مراكز تيار «المستقبل» المتمركزة في بيروت، انتقمت عناصر السرايا من «المستقبل» مستهدفة الرأي الحرّ وديموقراطية الإعلام باعتدائها بالتكسير والتخريب والحريق على وسائل الاعلام التابعة له. في منطقة الحمراء تحديداً، يقع مقر تلفزيون «المستقبل» الأرضي ومقر آخر لتلفزيون «أخبار المستقبل«. وعقب التطورات الأمنية التي شهدتها المنطقة، أعلن تلفزيون «المستقبل» وقف بثه، ثم أعلن راديو الشرق التابع لـ»المستقبل» وقف إرساله.

لم يكن ذلك التوقّف إرادياً طبعاً، فالمسلحون طوّقوا مبنى التلفزيون، وهدّدوا باقتحامه في حال عدم توقف البث. وما إن أطلّت ساعات الصباح الأولى حتى تعرّض مبنى جريدة «المستقبل» في منطقة الرملة البيضاء للقصف بقذائف بي 7، مترافقة مع رشقات كثيفة من أسلحة رشاشة، ليتم تدمير طوابقه العليا وحرقها بالكامل، قبل وصول عناصر الجيش وتكثيف تواجدها بمحيطها. وكانت المنطقة تعيش حالة من الاحتلال و»التطهير»، ودخلت عناصر من «حزب الله» حرم الوسائل الإعلامية فأحرقت ومزّقت كل ما وقع تحت أيديها. الطابقان الرابع والخامس في مبنى الجريدة احترقا بالكامل وقد تضرّرت الطوابق السفلية، واتّهمت عناصر الحزب الصحافيين الستة الذين اضطروا للبقاء في المبنى بأنهم يخفون سلاحاً في الداخل، وكان اتّهامهم حجّة لدخول العناصر الجريدة ومكاتبها والعبث بمحتوياتها بهدف الأذية والانتقام وإخضاع تيار «المستقبل«. كل ذلك حدث حوالى الساعة السابعة، ثم وصلت عناصر الجيش اللبناني، فتوقفت النيران، واستلم الجيش المبنى وفتّشه، ولم يجد فيه اي نوع من الاسلحة. جراء تلك الأحداث توقّفت جريدة «المستقبل» عن الصدور 10 أيام من 10 حتى 19 أيار.

مصالح الحزب أولاً

أحكم «حزب الله» حصاره على العاصمة، وتلقّى دعماً «معنوياً« من حليفه رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بعدما هنّأه على «الانتصار»، معتبراً أن «ما حدث من سيطرة مسلحي «حزب الله» و»حركة أمل» هو انتصار للبنان وانتصار للعودة إلى الدستور«. ولم يتراجع «حزب الله» عن حربه في الداخل إلا بعدما حصل على تأكيدات بأن أياً من مصالحه لن تُمَسّ من خلال قرارات صادرة عن رئيس حكومة ينتمي الى تيار «المستقبل»، فرفع سطوته عن بيروت بعدما أعلنت قيادة الجيش إبقاء رئيس جهاز أمن المطار في منصبه وأنها ستتعامل مع شبكة الاتصالات الخاصة بـ»حزب الله» بطريقة «لا تضر بالمصلحة العامة وأمن المقاومة«. كما طلب الجيش من جميع الفرقاء «منع المظاهر المسلحة وسحب المسلحين وفتح الطرقات«.

وبدأت مظاهر التسلّح بالانحسار مساء السبت 10 أيار وقد أعلن ذلك كل من «حركة أمل» و»حزب الله»، مع الإصرار على مواصلة العصيان المدني لإسقاط الحكومة. وكانت حصيلة الاشتباكات مقتل 71 شخصاً من كلا الجانبين، دمار في الممتلكات، إسكات إعلام «المستقبل»، نشوء حالات توتر وصدامات مسلحة بين الفريقين خصوصاً في الشمال والبقاع. وجاء اتّفاق الدولة لينهي شكلياً جزءاً من الأزمة السياسية بعد اجتماع الفرقاء اللبنانيين في قطر، وإنهاء المعارضة اعتصامها في ساحة رياض الصلح، وانتخاب المرشح التوافقي قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً توزع على 16 للموالاة و11 للمعارضة و3 للرئيس، وتتعهد كافة الأطراف بمقتضى هذا الاتفاق بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة… ليس هذا ما حدث طبعاً، فاللبنانيون حتى اليوم يدفعون ثمن انقلابات «حزب الله» السياسية ومغامراتهم العسكرية!