المشنوق لـ «المستقبل»: سنحمي كنائسنا ومساجدنا برموش أعيننا ونقطع اليد التي تمتد إليها
سجالات حكومية مضبوطة حول النازحين والجامعة
على مدى خمس ساعات انقضى نصفُها في توقيع 144 مرسوماً وقراراً وكالةً عن رئيس الجمهورية، خاض مجلس الوزراء أمس في نقاشات لامست حدّ السجالات مضبوطة الإيقاع حول ملف النازحين السوريين والمخيمات الواجب إشادتها لإيوائهم لا سيما في ضوء إعلان الأمم المتحدة أنّ عددهم سيتجاوز «ثلث سكان لبنان» نهاية 2014، وحول ملف الجامعة اللبنانية الذي تقرر إرجاء بته إلى الأسبوع المقبل بموجب عرض شامل سيقدمه وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب أمام المجلس لقطع دابر الاعتراضات التي أثارها بعض الوزراء عبر استعراضه كل تفاصيل الملف والآلية التي اتُّبعت في إعداده.
وفي وقائع الجلسة، كما روتها مصادر وزارية لـ«المستقبل»، أنّها استُهلّت بتشديد رئيس الحكومة تمام سلام على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بوصفه «بنداً دائماً» على جدول أعمال مجلس الوزراء كما سبق وأكد في حديثه لـ«المستقبل» نهار الإثنين الفائت. ثم بدأ النقاش في جدول أعمال الجلسة فأقر قسم من بنوده لا سيما المتعلق منها بالأمور المالية وأذونات السفر الضرورية في حين تم تأجيل إقرار القسم الآخر من البنود المدرجة على الجدول إلى وقت لاحق لإفساح المجال أمام مزيد من النقاش بشأنها ولفتح الباب أمام طرح ملفي تعيين العمداء وتثبيت الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية من خارج جدول الأعمال.
النازحون
عن النقاش الذي دار حول ملف النازحين، أوضحت المصادر الوزارية أنّ وزير الخارجية جبران باسيل بادر إلى طرح الموضوع بالقول: «نحن كفريق سياسي لا نقبل إقامة مخيمات للنازحين السوريين داخل الأراضي اللبنانية بل نفضل أن تكون هذه المخيمات عند الحدود في سبيل تخفيف تدفق أعداد اللاجئين إلى الداخل اللبناني»، مطالباً «بإجراء حوار مع السلطات السورية في هذا الخصوص بالاستناد إلى كون الأمم المتحدة لا تزال تتحاور مع النظام السوري من خلال مندوبه في المنظمة الدولية»، وأضاف: «نحن نعلم أنّ هذا النظام لا يريد عودة النازحين إلى وطنهم في الوقت الراهن إلا أننا مقتنعون بوجوب إيجاد حل لهذه القضية في ما يتصل بمصالح لبنان وهذا الأمر يبقى غير قابل للتطبيق إلا من خلال التنسيق المباشر مع الجانب الرسمي السوري».
ونقلت المصادر عن رئيس الحكومة تذكيره في هذا المجال بكون البيان الوزاري ينصّ على مبدأ النأي بالنفس حيال الأزمة السورية، وهو ما أكد عليه أيضاً وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي شدد على ضرورة الإسراع في إيجاد الحلول المناسية لملف النازحين درءاً لمخاطره الأمنية عن البلد، منبهاً في هذا السياق إلى أنّ خطر «داعش» يتسلل إلى الساحة اللبنانية من الحدود وليس من طريق الجديدة أو من أية منطقة لبنانية أخرى. في حين شدد عدد من وزراء قوى 14 آذار على عدم الحاجة إلى التواصل مع النظام السوري لحل مشكلة النازحين لأنّ التواصل مع هذا النظام لا يقدم ولا يؤخر في هذا الإطار، بل هناك حاجة مُلحّة لممارسة المجتمع الدولي ضغوطاً فاعلة على النظام السوري بغية فرض الحلول المناسبة في هذا الملف.
بدوره، أكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، وفق ما نقلت المصادر الوزارية، أنه لا يمانع من بناء المخيمات عند الحدود إلا أنه سأل باسيل في المقابل: «هل باستطاعتك أن تأتي بالضمانات اللازمة في هذا الخصوص، ومن أين سيكون تمويل هذه العملية، ومن سيتولى إدارتها؟»، مكرراً موقفه الرافض لمسألة التفاوض مع الحكومة السورية وسفيرها حول هذا الملف. وحين سأله باسيل: «هل ممنوع على وزير الخارجية أن يستقبل السفير السوري أسوةً باستقبال كل السفراء المعتمدين لدى الدولة اللبنانية؟ أجاب درباس: «بالطبع هذا أمر غير ممنوع»، وهنا تدخل سلام قائلاً لباسيل: «المشكلة يا معالي الوزير أنّ السفير السوري توسّع في شرح موقفك إثر اللقاء بينكما». فأوضح وزير الخارجية أنّ «ما قاله السفير علي عبد الكريم علي بعد اللقاء لم يتم التطرق إليه خلال اللقاء»، لافتاً إلى أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً اليوم لتوضيح كل هذه الأمور. وأضاف باسيل: «البعض يعترض على إجراء تواصل ديبلوماسي مع الجانب السوري بينما سبق أن جرى تواصل أمني لبناني مع السوريين». هنا تدخل الوزير نهاد المشنوق في مطالعة مفصّلة فقال: «في عهد هذه الحكومة تم هذا التواصل بعلمي وموافقتي وحول قضايا لا تتعلق لا بالنازحين ولا بالأمن اللبناني إنما تتعلق بـ«عراضات» أراد النظام السوري أن يقوم بها في موضوع المخطوفين». وأضاف المشنوق متوجهاً إلى باسيل: «لا مانع من أن تجلس مع السفير السوري لكننا حريصون على ألا يدخلنا ذلك في الصراع السوري بحيث تصبح حينها مضطراً إلى الجلوس والتحدث كذلك مع المعارضة السورية، علماً أنّ حوارك مع سفير النظام السوري لن يغيّر من موقف هذا النظام في موضوع المخيمات بل من شأنه أن يفتح علينا أبواباً نحن بغنى عن فتحها».
وإذ لفتت المصادر الوزارية إلى أنّ باسيل أشار في مداخلته إلى أنّ «الحكومة الحالية أصبح لديها سياسة واضحة في التعامل مع النازحين السوريين بخلاف الحكومة السابقة، مشيداً ومنوهاً بشكل خاص في هذا المجال بدور الوزير المشنوق وكذلك الوزير درباس»، نقلت المصادر الوزارية عن المشنوق قوله خلال الجلسة: «نحن نقف إلى جانب مخاوف وهواجس «التيار الوطني الحر» في ما يتصل بالمخاطر الناجمة عن واقع النزوح إلى لبنان، إلا أننا لا نرى أية منفعة من بحث هذا الملف مع السفير السوري»، وتساءل: «إذا بقي تكتل «التغيير والإصلاح» على موقفه المعارض لإقامة مخيمات للنازحين وأصبح عددهم مليونا ونصف المليون نازح كيف يمكننا حينئذ أن نعالج المخاطر الأمنية الناجمة عن ذلك؟»، مشيراً في هذا السياق إلى أنّ «كل المؤسسات الدولية تنصح لبنان بالإسراع في إقامة 100 مخيم يتسع كل منها لما بين 10 آلاف و15 ألف نازح داخل الأراضي اللبنانية». مضيفاً: «أما في ما يتعلق بإقامة المخيمات عند الحدود لا بد من طرح الأسئلة حول العَلَم الذي سيُرفع عليها وهل سيكون عَلَم الأمم المتحدة أم غيرها، ومن سيتولى تقديم المساعدات للنازحين المقيمين في هذه المخيمات»، وشدد على أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن تكون بناءً على «قرار لبنان بهذا الخصوص، لا سيما وأنّ النظام السوري سبق وأبلغ الجانب اللبناني بما يشبه التهديد أنه في حال إقامة المخيمات عند الحدود، وتحديداً في المنطقة المعروفة بـ«NO ONES LAND» فهو لن يتحمل مسؤولية أمن النازحين السوريين المقيمين فيها، وعلى هذا الأساس نصحت المنظمات الدولية بإقامة هذه المخيمات داخل الأراضي اللبنانية على بُعد 4 أو 5 كيلومترات عن الحدود مع سوريا»، وكشف النقاب أمام أعضاء مجلس الوزراء عن «أول شراكة معلوماتية بين لبنان ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة» وهي شراكة كانت الحكومة السابقة قد رفضت إبرامها، وأشار المشنوق إلى أنّه أعد مسودةً بهذا الخصوص وسلّمها إلى رئيس الحكومة تمهيداً لإقرارها.
الجامعة
ثم انتقل البحث في الجلسة إلى ملف الجامعة اللبنانية، فأعطى سلام الكلام إلى الوزير بوصعب ليعرض الملف من خارج جدول الأعمال فقال: «منذ 40 يوماً طرحت ملف الجامعة وظهرت خلافات حوله بعدما كنا قد ناقشناه في قصر بعبدا بحضور الرئيس ميشال سليمان، وحين طرحت الملف الأسبوع الماضي على المجلس فوجئت بعلامات استفهام أبداها تيار «المستقبل» حول نقاط محددة، لذلك قمت بزيارة الرئيس فؤاد السنيورة قبل انعقاد هذه الجلسة وذلّلنا سوياً كل هذه الاختلافات في الرأي بمهنية وأخلاق عالية لأنني أقدر كل الآراء من أية جهة أتت إيماناً مني بأنّ الاعتراض حق للجميع»، وأضاف بوصعب: «إلا أنني هذه المرة فوجئت بكلام تم الإدلاء به بطريقة غير مسبوقة في الإعلام قبل انعقاد الجلسة في ما بدا أنه استباق لمجريات النقاش فيها، وللأسف ما سمعته من هذا القبيل لم يكن مجرد انتقادات بل اتهامات وافتراءات تشكل سابقة في أصول التعامل بين الوزراء».
هنا، تدخل وزير العمل سجعان قزي معتبراً أنه المقصود بكلام بو صعب على اعتبار أنه الوزير الذي أدلى بتصريحات إعلامية قبل انعقاد الجلسة حول ملف الجامعة اللبنانية، ورد قزي بنبرة عالية قائلاً: «لا أقبل أن يوصف كلامي بالافتراء. كل وزير لديه مطلق الحق في أن يعبّر عن رأيه خصوصاً وأنني لم أكن أطالب بأية منفعة شخصية أو حزبية بل كل ما نريده هو أن نطلع على كل التفاصيل الواردة في ملف الجامعة اللبنانية قبل إقراره» الأمر الذي أكد عليه كذلك وزراء «جبهة النضال الوطني». فأجاب بوصعب من دون أن يخوض في سجال مباشر مع قزي: «أنا أدرس هذا الملف منذ ثلاثة أشهر ولم يطلب مني أحد عرضه على مجلس الوزراء علماً أنني ملتزم بأي قرار يتخذه المجلس بشأنه، أما الاعتراض على الملف قبل مناقشته والقول إنّ اتفاقي مع الرئيس السنيورة لا يعني أننا وصلنا إلى حل يتيح إقراره فهنا لا بد لي أن أوضح أنني التقيت السنيورة نظراً لأنّ لديه استفسارات حول بعض النقاط التي تتعلق بتيار «المستقبل» ولا تعني الآخرين». وإذ ذكّر بأنه سبق أن زار كل المرجعيات السياسية لإطلاعها على تفاصيل الملف، أردف بوصعب قائلاً: «أعترف أنني قصّرت وأخطأت لأنني لم أكن أعلم أنّه يجب عليّ التحدث مع المرجعيات ومع الوزراء الذين يمثلونها في الحكومة أيضاً، إذ كما يبدو لا يوجد هناك تواصل بين الوزير ومرجعيته، ويؤسفني أن أعرض أمامكم في هذا الصدد ملف طلبات «حزب الكتائب» المدوّن بخط النائب سامي الجميل في ما يتعلق بالجامعة اللبنانية، لذلك أتمنى ألا يزايدنّ أحد على أحد في هذا المجال يا دولة الرئيس لأنّ كل واحد منا لديه طلبات متصلة بهذا الملف». وختم بوصعب بالقول: «أنا مستعد لأن أقدّم عرضاً شاملاً أمام مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، وهذا كان مطلبي أساساً بينما البعض كان يرفض أن يسمع حتى باسم ملف الجامعة اللبنانية».
المشنوق
في سياق منفصل، علّق وزير الداخلية على ما أثير في اليومين الأخيرين من تهديدات موجهة إلى الكنائس في لبنان بالقول لـ«المستقبل»: هذه التهديدات مرفوضة من أية جهة أتت وليس فيها من الإيمان شيء. نحن حريصون على حماية كل شبر من أرض هذا الوطن فكم بالحري دور العبادة التي هي بيوت الله مسيحية كانت أم إسلامية»، وأضاف المشنوق: «أقول لكل من يخطر في باله مجرد التفكير بالمس بكنيسة أو بمسجد أننا سنحمي كنائسنا ومساجدنا بقوانا الأمنية وبرموش أعيننا، وسنقطع اليد التي ستمتد إليها»، كاشفاً أنه طلب من مجلس الوزراء «رفع عديد قوى الأمن الداخلي إلى 40 ألفاً أي بزيادة 10 آلاف عن عديدها في الوقت الراهن للقيام بواجباتهم التي يشهد لهم بها كل المواطنين في كل لبنان بالشراكة مع الجيش وسائر القوى الأمنية».