منذ حوالى ثلاث سنوات شهدت أسعار النفط في الأسواق العالمية استقراراً نسبياً، إذ بقي سعر برميل برنت في سوق لندن يتراوح بين ١٠٠ و١١٠ دولارات. ومكّن هذا المستوى من الأسعار المستثمرين في العالم، وخصوصاً في السوق النفطية الأميركية من تطوير مصادر الطاقة الجديدة والبديلة، ما أتاح نهوض الاستثمار الأميركي في استكشاف النفط والغاز الصخري، الذي لو لم تكن أسعار النفط بهذا المستوى لكان تعذر على المستثمرين أن يطوروه. إضافة إلى ذلك، ساهمت الأزمات والتطورات الجيوسياسية خلال هذه السنوات الثلاث في بقاء سعر النفط في مستوى أكثر من مئة دولار للبرميل، فمثلاً أدت العقوبات على إيران إلى تخفيض النفط الإيراني بشكل كبير في الأسواق التي كانت تستورده، خصوصاً السوق الأوروبية. وأدت الأوضاع في ليبيا وهي عضو في منظمة «أوبك» إلى انخفاض إنتاجها من ١.٥ مليون برميل في اليوم إلى ٢٥٠ ألف برميل. والأوضاع الليبية لا تشير إلى حل قريب من أجل استقرار البلد وعودة الإنتاج إلى ما كان. أما الأوضاع العراقية الأمنية، فهي أيضاً لا تنبئ بأوضاع مستقرة في بعض المناطق النفطية، إضافة إلى الخلافات بين الحكومة الكردية والحكومة المركزية حول عائدات النفط. ولأول مرة صدّرت مدينة أربيل مليون برميل من النفط الأسبوع الماضي، وقد أعلن عن ذلك وزير الطاقة التركي، في حين أن وزير النفط العراقي كان أكد أن كل التصدير عبر تركيا يجب أن يتم عبر الشركة الوطنية ويجب أن تدفع العائدات لخزينة الدولة.
وفي الآونة الأخيرة، ساهمت الأزمة في أوكرانيا في زيادة سعر النفط. فالعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا (وهي إحدى ثلاث أكبر دول منتجة للنفط بعد الولايات المتحدة والسعودية) أثرت من الناحية النفسية على السعر ولو أن الغاز الروسي استمر في التدفق إلى أوروبا. ولكن الاتحاد الأوروبي أدرك أن أمن الطاقة هو بتعدد مصادرها. وفي هذا الإطار، كان وزير الطاقة القطري السابق عبد الله حمد العطية أبلغ ندوة في بروكسيل لبرنامج «مارشال» أنه كان قد نبه أحد كبار مسؤولي الطاقة في أوروبا، من أن أمن الطاقة هو في تنوع الإمدادات وليس فقط في النظر إلى مستوى السعر، وذلك عندما عرض عليه تصدير الغاز القطري منذ بضع سنوات إلى أوروبا، وكان ذلك المسؤول وجد السعر مرتفعاً.
فأسعار النفط ستبقى مستقرة ولن تنخفض بأقل من مئة دولار للبرميل، لأن المستهلكين والمنتجين الآن أدركوا أن أمن الطاقة وتطوير أي طاقة جديدة أو بديلة لن يكون ممكناً لو انخفض سعر النفط بشكل كبير. إن دول «أوبك» ليست بحاجة حالياً إلى أن تعمد إلى أي تغيير في سياستها الإنتاجية طالما أن هناك طلباً على نفطها وطالما أن هناك طاقات كافية متوافرة لتلبية هذا الطلب، فكلما حدث نقص من بلد عوَضه أكبر منتج في المنظمة، وهي السعودية التي انتهجت منذ أكثر من عقد سياسة حماية استقرار الأسواق مع باقي دول «أوبك». وصحيح أن دولاً مثل إيران وليبيا تشهد عدم استقرار في إنتاجها نتيجة الأوضاع السياسية ولكن عودتها المحتملة إذا تم الاتفاق بين إيران والدول الست على الملف النووي كما عودة النفط الليبي لن تؤدي إلى انخفاض كبير في الأسعار، لان منظمة «أوبك» أصبحت خبيرة في إدارة إنتاجها تمشياً مع الطلب في الأسواق من أجل استقرار الأسعار.