يُجمِع الخبراء الروس على أنّ إقرار لجنة مجلس الشيوخ الأميركي للشؤون الدولية بالإجماع تعيين جون تيفت سفيراً للولايات المتحدة لدى روسيا الإتحادية خلفاً لمايكل ماكفول، هو خطوة ليست في الإتجاه الصحيح.
الديبلوماسي الأميركي، وقبل أن يحزم أمتعته ويتوجه الى موسكو، إستبق حضوره بموقف لافت حدّد فيه توجهاته السياسية ونياته تجاه روسيا، إذ أعلن عقب تعيينه مباشرة أنّ بلاده لن تعترف أبداً بانضمام القرم إلى روسيا الإتحادية، وستواصل إعتبار موسكو مسؤولة عن زعزعة الوضع في أوكرانيا، لافتاً إلى أنّ مستقبل العلاقة بين «البيت الأبيض» والكرملين غير واضح.
تصريحات تيفت تزامنت مع إعلان الرئيس باراك أوباما عن تبنّي الولايات المتحدة عقوبات تستهدف قطاعات رئيسة في الإقتصاد الروسي.
تعيين تيفت الذي كرّس 40 عاماً من خبرته الديبلوماسية لدرس المنظومتين الإشتراكية والسوفياتية، بحيث بات من أبرز خبراء الخارجية الأميركية في الشؤون الروسية، يشكّل دلالة على عمق التوتر الحاصل بين واشنطن وموسكو، فالرجل شغل منصب نائب رئيس البعثة الأميركية في روسيا بين عامي 1996- 1999، أي في فترة المواجهة الساخنة بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الحرب في يوغوسلافيا، ليتفرّغ بعدها الى هندسة الثورات الملوّنة في الفضاء السوفياتي السابق.
فهو شغل منصب سفير لبلاده في ليتوانيا بين عامي 2000 و 2003، ولاحقاً في جورجيا حيث لعب دوراً مهماً في مواجهتها مع روسيا عام 2008، وذلك خلال حرب أوسيتيا الجنوبية.
لينتقل بعدها سفيراً الى أوكرانيا وذلك بعدما شكّل همزة وصل أساسية بين كييف وواشنطن إبان الثورة البرتقالية عام 2004. تجدر الإشارة الى أنّ ليتوانيا وجورجيا وأوكرانيا هي الجمهوريات الأكثر عدائية لروسيا بعد انهيار الإتحاد السوفياتي.
لا شك في أنّ اختيار تيفت هو موقف أميركي من العيار الثقيل، لأنّ اعتماده سفيراً لدى روسيا لا يندرج ضمن ترتيب العلاقات المتأزمة، ولا للإستمرار في عملية إعادة تشغيل العلاقات بين البلدين، على اعتبار أنّ روسيا أعلنت مراراً على لسان قادتها الكبار، أنّ انضمام شبه جزيرة القرم الى الإتحاد الفيدرالي الروسي هو خارج التداول مع أي طرف كان.
لذلك لا بدّ من إنتظار مرحلة ساخنة في العلاقة بين القطبين الدوليين، خصوصاً أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد نعى إعادة تشغيل العلاقات في نيسان الماضي، حين اعتبر أنّها انتهت بعد الأحداث في ليبيا، وليس بسبب الوضع في القرم.
أوساط الخارجية الروسية تعتبر تعيين تيفت خطوة في اتجاه عودة أجواء الحرب الباردة، إذ أنّ التعامل معه لن يكون سهلاً ولا صعباً في الوقت نفسه، فهو على دراية واسعة في قضايا روسيا الداخلية سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً، ويجيد اللعب بحنكة على أوتار الحساسيات القومية والإثنية والدينية، كما أنّ لديه شبكة علاقات واسعة من الشخصيات المناهضة لروسيا في مختلف دول الإتحاد السوفياتي السابق، وخصوصاً في أوكرانيا وبيلاروس، لذلك فإنّ التعاطي معه سيكون صعباً.
ومن ناحية أُخرى تعتبر المصادر أنّ تيفت هو ديبلوماسي من الطراز الأول، ويتقن اللغة الروسية جيداً، والأساليب التي يتبعها في عمله تحت الطاولة ليست خفية على روسيا، لذلك فإنّ التعاطي سيكون معه سهلاً على المستوى الديبلوماسي، وصعباً على المستوى السياسي.
إذاً يأتي تيفت الى موسكو وعلى كتفيه خبرة سنوات طويلة من مواجهات الحرب الباردة، وفي يمينه موسوعة من الخطط المعدة مسبقاً لحشر «الدب الروسي» في الزاوية، خصوصاً أنّ الأزمة الأوكرانية قد فتحت أبواب النزاع على مصراعيها بين روسيا والغرب، ما يعني أنّ عدة الشغل اكتملت، وأنّ الجزء الثاني من مسلسل «الحرب الباردة» بات على الأبواب.