هدنة «ربط النزاع» بين تيار المستقبل وحزب الله، التي انتجت تشكيل هذه الحكومة يبدو انها في طريقها الى السقوط، ان لم تكن قد سقطت فعلا خصوصا بعد استعار القتال في جرود السلسلة الشرقية بين المعارضة السورية وحزب الله، والتخوّف من اقحام بلدة عرسال في هذا القتال الذي يقترب منها شيئا فشيئا. وافتتاحية جريدة المستقبل في الامس بقلم المحرر السياسي، وما حملته من هجوم على حزب الله، واتهامه بأنه الذراع الثاني المطواع مع رئيس حكومة العراق نور المالكي، اللذين تستخدمهما ايران لتنفيذ سياستها في العراق ولبنان، وبما يقوم به من «استفزازات للشارع السني وتهييجه عبر سلسلة اجراءات» ان دلت على شيء فعل ان «ربط النزاع» مع الحزب قد انهار عمليا، وقد يتضمن خطاب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في افطار «البيال» هذا المساء نعياً لهذه الهدنة بعدما كان اشار قيادي في الامانة العامة لقوى 14 آذار ان «ربط النزاع» لا يعني حلّ النزاعات وتجاهل فتح جبهة السلسلة الشرقية وما يمكن ان تسببه من اخطار على لبنان، وقد تزامن كل هذا مع تصريح لمدير المركز الاعلامي في المعارضة السورية عامر القلموني الى الزميلة النهار هدد فيه بنقل المعارك الى الداخل اللبناني واقتحام قرى شيعية كرسالة انذار الى حزب الله.
خطورة هذا التطور السلبي في علاقة التيار بالحزب ان الساحة اللبنانية تغلي بالعديد من الاحداث الامنية بدءا من الجنوب وصولا الى البقاع مع ما يحدث احيانا في طرابلس وعكار، على خلفية الحرب الاسرائيلية ضد غزة، من جهة، والتوتر الشيعي… السني من جهة ثانية بعد اندلاع الحرب المذهبية في العراق، في ظلّ خلافات سياسية بالغة الحدّة، بسبب تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، يساهم فيه حزب الله بدور اساسي لمصلحة حليفه العماد ميشال عون، وبسبب خلافات على دور مجلس النواب والحكومة في غياب رئيس للجمهورية، مع ضغوطات حياتية واجتماعية ومعيشية كبيرة، مثل الخلاف على سلسلة الرتب والرواتب، ومعاشات الموظفين والاجراء، وازمة الماء والكهرباء، وتعيين عمداء الكليّات في الجامعة اللبنانية، وتوقف الاتصالات بين تيار المستقبل ووزير المال علي حسن خليل، لاستمرار التباين في وجهات النظر حول دور وزارة المال في ازمة المعاشات، ومن الطبيعي ان هذا الكمّ من القضايا الخلافية، يتطلب وجود حكومة متجانسة قادرة على الحسم والعمل دون خلافات او عقبات او تعطيل مقصود، الواقع غير المتوفر في هذه الحكومة التي عاشت على انجازين مهزوزين، الاول وقف الاشتباكات في طرابلس، دون ازالة اسباب التوتر، وتعيين بعض الموظفين من الفئة الاولى، والخلاف على استكمال التعيين، مع الفشل الذريع في المهمة الاساس التي وجدت هذه الحكومة من اجلها، وهي تحقيق انتخاب رئيس للجمهورية، بدلاً من ضجيج الصواريخ والاشتباكات الحدودية التي تملأ فراغ الرئاسة الاولى وعمل مؤسسات الدولة..
* * * * *
قد يعتبر البعض من ذوي النيات والاهداف السيئة، ان انتخاب رئيس للجمهورية، لا يقدّم ولا يؤخّر في ما يجري على الساحة اللبنانية، وهذا التفكير وصفه يوماً البطريرك بشاره الراعي بالجريمة، وقد اصاب في ما ذهب اليه، لأن التصريحات التي تصدر عن الدول الصديقة والشقيقة التي يهمّها وجود استقرار في لبنان، تعلن انها لن تتدخل للمساهمة او المساعدة في اي شأن، طالما ان القيادات اللبنانية لم تتوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس، وان البعض لم يحاول حتى العمل بهذا الاتجاه، وما يزال ممتنعاً عن حضور الجلسات التي يدعو اليها رئيس المجلس النيابي لانتخاب رئيس، ولم يقنع احداً بأسباب تعطيله تحقيق هذا الاستحقاق الهام، الاّ المستفيدين من بقاء الفراغ الذي يسبب الفوضى، ويعرقل عمل المؤسسات، ويشوّه صورة لبنان، ويهدد البلاد بنتائج كارثية لا تحمد عقباها.