غزة ليست دافوس، لكن رجب طيب اردوغان هو نفسه في المنتدى السويسري كما في مستنقع الدم الفلسطيني، الذي يشكّل جولة جديدة من المحرقة التي ينفذها نازيو العصر ضد الفلسطينيين، هو نفسه الاستعراضي المتشاوف الذي يريد توظيف دماء الفلسطينيين. لإحياء السلطنة العثمانية وقد حسب نفسه السلطان والباب العالي!
لا يهمني ان يصف اردوغان عبد الفتاح السيسي بالطاغية، يستطيع المصريون ان يردّوا عليه، لكنني لم أتوقف عن التساؤل عما اذا كان قد تذكّر مثلاً ان الطيارين الاسرائيليين الذين يحرقون غزة بالقنابل قد تدربوا في الفضاء التركي، أو تبادر الى ذهنه ان تركيا ترتبط باتفاق للتعاون العسكري مع اسرائيل.
لا علاقة للجريمة الاسرائيلية ضد غزة بهجوم اردوغان المستغرب وغير اللائق على السيسي، والدليل انه لم يتوقف عند هذا الإتهام بل تعمّد القول “ان الإدارة في مصر ليست شرعية”، في ما بدا واضحاً انه محاولة اخرى لتسوية الحساب رداً على ثورة المصريين ضد محمد مرسي وحكم “الاخوان المسلمين”، فليس سراً ان اردوغان كان ولا يزال يراهن على “أخونة” المنطقة بما يعيد ايام السلطنة العثمانية، وإن كان ابو بكر البغدادي مثلاً قد سبقه الى اعلان قيام “دولة الخلافة”!
في نهاية كانون الاول عام ٢٠٠٩ اشتبك اردوغان مع شمعون بيريس خلال نقاش في المنتدى حول معاناة غزة على يد الاسرائيليين، وتعمّد الإنسحاب من الجلسة امام الكاميرات، ليحصد تصفيق الفلسطينيين والعرب الذين طالما عرفوا تركيا حليفة لإسرائيل، واستكمالاً لكسب الشعبية كانت قصة “اسطول الحرية” لاختراق حصار غزة، وقصف سفينة “مرمرة” في ٣١ ايار من عام ٢٠١٠، لكن التطورات والاحداث من تونس الى ليبيا الى مصر الى سوريا، كشفت حقيقة المشروع الأردوغاني الذي يقوم على حسابات واهمة اي “أخونة” المنطقة العربية بما يعطيه دوراً محورياً على مستوى الإقليم.
عندما يقول ان الادارة المصرية ليست شرعية فانه يعبر عن ألمه من سقوط ادارة “الاخوان المسلمين” ومحمد مرسي، الذي كتب رسالة من “الصديق الوفي الى الصديق المخلص شمعون بيريس”، وعندما ترفض “حماس” المبادرة المصرية لوقف النار والقتل بتحريض من تركيا وقطر فلأن حسابات السياسة الاخوانية تتقدم على حسابات الدم والمآسي، التي تنزل بالقطاع مرة جديدة.
لن أتحدث عن ديموقرطية اردوغان لا في “ساحة تقسيم” ولا حتى في منع وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا، لكن من بدأ عهده بشعار “صفر مشاكل مع الجيران” يحاول الآن هدم بيوتهم بمطارق وحسابات “الاخوان المسلمين”، الذين تقيم واشنطن حتى الآن مناحة على فشلهم!
ولأن السيسي يعني عودة مصر القوية التي تقطع الطريق على احلام اردوغان الاقليمية فهو طاغية لكن في نظر من يحلم بالطغيان الامبراطوري!