فوجئ اللبنانيون امس باطلالة الرئيس السابق ميشال سليمان شارباً «حليب السباع» ومعلنا عن اجراءات عسكرية وسياسية يجب اتخاذها لتمكين الجيش من ضبط الامن وتعزيز الاستقرار، وذلك على نحو بدا وكأنه هبط من كوكب آخر ولم يكن رئيسا لبلاد انتظرت منه ان يكون حَكَماً في أحلك ظروفها مساهماً في تعزيز اللحمة بين اللبنانيين.
فلقد أمضى سليمان سنينه الست في سدة الرئاسة يعادي هذا الفريق ويصادق ذاك خارجاً عن جادة موقعه التوافقي الذي انتدب اليه يوم انتخابه، فلا عرف كيف يعادي ولا عرف كيف يوفّق، ولا عرف ايضا كيف يكون حَكَماً يقف على مسافة متساوية من الجميع، وكل همّه ان يخرج من سدة الرئاسة بـ«تحويشة» العمر وقد حصل عليها من ابواب عدة، اقلها تجنيس بعض «الاسماء المدهنة» والتي يبيض اصحابها ذهباً، وسمسر له في ذلك صديقه ونديمه نائب رئيس الوزراء سمير مقبل الذي اقبل على السلطة بـ«جوع عتيق» ما زال يلازمه على رغم ما كدّس من ثروة «حلال».
يقترح سليمان (أمام زواره طبعاً) ان يتم تعزيز الجيش باستدعاء الاحتياط ممّن كانوا في الخدمة الفعلية او من مجندي خدمة العلم، ويقدم تبريرات لعدم حصول تسليح وتعزيز للجيش بالعدة والعديد والعتاد، متناسيا انه رفض عروضا كثيرة من دول شقيقة وصديقة لا تكلف لبنان الا القليل من المال. كذلك يقدم تبريرات لهبات مقررة وهو يعرف انه كان احد ابرز معرقلي تسييلها وحاول تمديد ولايته لأجلها طامعاً بـ«الكومسيون» الذي يشكل «المسلّة التي تنعره» كلما جاء احد على ذكرها.
لم يصدّق سليمان بعد انه لم يعد رئيسا للجمهورية، فيما شريكه مقبل يتصرف وكأنه ما زال «وزير البلاط الرئاسي السليماني» متناسيا انه نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الوطني في حكومة الرئيس تمام سلام العامل بحكمة وصبر وصمت لتبديل المشهد المخيف الذي يسود في البلاد.
فبأي صفة يقف نائب رئيس حكومة إلى جانب رئيسه السابق متناسياً ان هذا المنصب ليس ملكاً ولا سمسرة، وإنما هو أعلى موقع تمثيلي للطائفة الارثوذكسية في لبنان؟
وكيف اختفى مقبل، وهو وزير الدفاع، عن السمع والبصر عندما تعرّض الجيش لما تعرّض له في عرسال ومن حملات تجنّ في الداخل، ليظهر اليوم مطالباً باستدعاء المجندين والاحتياط، أوليس هو وزير الدفاع المعني بالقرار مباشرةً؟
لقد تفتقت «قريحة» سليمان من «عليائه» في اليرزة وصار يقترح افكاراً وحلولاً للأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد، فيما كان عليه ان يطرحها في اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع التي فَلَق اسماع اللبنانيين بها، ولم تسمن او تغني من جوع.
ولقد أمضى سليمان ولايته في الاسفار هارباً من تحمّل المسؤولية وساعياً الى كسب الهدايا والعطاءات، المنظور منها وغير المنظور،.. ولم يستجب لدعوات كثيرين من المراجع والحكماء الى عقد مؤتمر حوار وطني إلّا في الهزيع الاخير من ولايته، حيث لم يعد لمثل هذا الحوار أي قيمة أو شأن، جاعلاً من «اعلان بعبدا» شمّاعة يُعلّق عليها فشله الذريع في تحمّل مسؤولياته الوطنية.. وغادر الرئاسة وهو ينادي بهذا الاعلان الذي لم يعد يصلح لا للزمان ولا للمكان مورثاً البلد «داعش» واخواتها اللواتي يذبحن جنود الجيش في عرسال وجرودها، لأنه لم يصدق يوماً ما قيل عن دخول «القاعدة» واخواتها من «داعش» و«نصرة» وغيرها الى لبنان من بوابة عرسال.
على مَن تقرأ مزاميرك يا «سليمان غير الحكيم» بعد «خراب البصرة» الذي كنت أحد المسؤولين عنه بتردّدك ومداراتك ومواقفك الخشبية المجبولة بالمصالح الشخصية والنفعية؟ انسيت أنك أنت مَن كان رأس الإنقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري يوم نحرت «اتفاق الدوحة» بقبولك استقالة الحكومة، فيما ذلك الاتفاق يلزم جميع الاطراف بعدم تعطيل الحكومة او الاستقالة منها؟
فبدلاً من ان تسمع النصائح بتأخير استشارات التأليف في انتظار نجاح المحاولات والاتصالات التي جرت لإعادة إحياء التسوية، استعجلت هذه الإستشارات ما أدى إلى إختلال التوازن ودخول البلاد في حال من عدم الاستقرار السياسي والأمني والإقتصادي.
إنه لمشهد عجيب غريب في بلد العجائب والغرائب. رئيس سابق يترأس حزباً من ثلاثة أعضاء، ويتقمّص دور مرشد الجمهورية، وهو لم يصدّق بعد انه قضى مدته ومضى..