Site icon IMLebanon

المعارضة والكأس المرّة

 

عندما قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يفتتح معركة إيصال سليمان فرنجية إلى بعبدا، كان ذلك قد أصبح بمثابة المؤشر الأول على أنّ بري، كان يترجم اتفاق الثنائي، على الذهاب بمعركة الرئاسة حتى أقاصي حملات التضليل والاقتراب من الهاوية، وهذا سلوك يتقنه «حزب الله» في التفاوض مع العدو الاسرائيلي، ويطبق تقنياته لتطويع الخصم الداخلي.

ورث «حزب الله» في العام 2005، عبء إدارة وصاية إيران على لبنان، بعدما تسلّم الشعلة من النظام السوري. كان رستم غزالي، وقبله غازي كنعان، يقومان بالمهمة على أكمل وجه، فيما «حزب الله» منغمس في المقاومة. أمّا بعد العام 2005 فقد أصبح «الحزب» في مواجهة تحدي إدارة الوصاية، والحفاظ على منظومةٍ سليمةٍ لاستعمالها كواجهة فارغة، إنما تمتلك ورقة الشرعية.

وفق هذا المنوال، نفّذ «الحزب» انقلابه المضاد على ثورة الأرز، فهادنها وراوغها وأفرغها من مضمونها، وجوّف قدرة قادتها على مواجهته، فكانت الاغتيالات، وكان التعطيل في تشكيل الحكومات وفي الانتخابات الرئاسية، وفي إجراء الانتخابات النيابية، وكلها أسلحة متعددة الأساليب استعملت لتحقيق هدف واحد، تحقق في العام 2016: دولة بجميع مؤسساتها الدستورية تحت السيطرة، من رئيسها إلى حكومتها إلى مجلسها النيابي إلى معظم أجهزتها الأمنية.

لذا فإن من يعتقد أنّ «حزب الله» سيكون اليوم جاهزاً للتسوية على انتخاب رئيس في الوسط، سيستفيق على فراغ رئاسي لا ينتهي، إلا بعد أن يذعن الجميع في الداخل والخارج، لإرادة المعطل بقوة السلاح. ورسالة ترشيح فرنجية لا تخرج عن هذا السياق، وهي تستبق اجتماع المجموعة الخماسية، برفع سقف التفاوض إلى درجة يصعب معها العودة الى الوراء، الّا بفرنجية أو برئيس يشبه فرنجية.

لا يوجد لدى «حزب الله» ما يمكن أن يخسره. فهو يحسب خسائر غيره من القوى بطريقة مضاعفة، ويخفف من وقع الانهيار على بيئته، ذلك على الرغم من أنّه يستعمل أساليب التأثير النفسي «والهوبرة»، في استعداد واضح لإدامة الفراغ إلى آجال طويلة.

لكن وعلى الرغم من ذلك، فهو يعجز عن لملمة آثار الانهيار التي تطال هذه البيئة، وما على المراقب سوى رصد حالات الانتحار المؤلمة، التي اخترقت كل المناطق والبيئات، ليدرك أنّ لبنان بات عرضة لخطر التفكك الاجتماعي، والمآسي الانسانية العابرة لكل الخطوط الحمر.

على وقع هذه المآسي تنحصر حسابات الثنائي، بكيفية الاحتفاظ بموقع الرئاسة، ولو كلف هذا الاحتفاظ المزيد من الانحدار السريع، وتبعاً لذلك لن يحدد رئيس المجلس أي جلسة إلا بعد ضمان انصياع الجميع للمرشح الذي ينال ثقة «حزب الله».

دعوة بري إلى جلسة في ظل هذه التوازنات، ستكون انكشافاً مريعاً لأصوات فرنجية، الذي قد يتفوق عليه مرشح المعارضة ميشال معوض، ولهذا لن تكون جلسة مقبلة إلا لانتخاب الرئيس، ولن تكون إلا بعد أن يهيّأ إسم ثالث، لا يستبعد أن يتم الاتفاق عليه بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و»الحزب» وبري، ولهذا سيبقى سيف تعطيل أي جلسة لانتخاب رئيس حليف للحزب، مصلتاً فوق رأس المعارضة. إنها الكأس المرة التي ستضطر لتجرّعها، لمنع التجديد لسنوات ست من الجحيم.