يقضي الرئيس ميشال سليمان بضعة أسابيع في فرنسا مع زوجته وفاء سليمان، حيث تردّد أنه سيلتقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. الزيارة لا تخلو من بعض الأمور الخاصة والشخصية، والأهم تنفّس «أوكسجين» الإجازة.. بعد الرئاسة.
لا يريد «فخامته» أن يختفي بسهولة عن «المسرح»، ولا يريد أن يكتفي بإصدار بيانات موسمية على غرار أسلافه.
قبل أن يغادر بوقت قصير قام بما يراه ضروريا. إضافة الى توقيعه مرسوم دعوة مجلس النواب لعقد استثنائي، ووضع سلّة التعديلات الدستورية على طاولة الرئيس الجديد، وتسلّمه أوراق اعتماد السفير الايراني الجديد قبل الوقت المحدّد لذلك (استعجلت طهران إرسال ممثلها الديبلوماسي خلفا لغضنفر ركن أبادي خوفا من انتظار السفير الجديد أشهرا طويلة قبل أن يتمكّن من تقديم أوراق اعتماده بسبب الشغور الرئاسي الذي كان متوقّعا)، وقّع أيضا مرسوم ترقية عدد من ضباط الجيش في 1 تموز المقبل، كما يقال إنه وقّع مرسوم ترقيات تلاميذ ضباط المدرسة الحربية الى رتبة ملازم، حيث سيتلى مرسوم ترقيتهم موقّعا من الرئيس سليمان في عيد الجيش في 1 آب المقبل، مع العلم بأن الضباط لم يكونوا قد أنهوا امتحاناتهم بعد.
من يراقب مسار الرئيس السابق لحظة خروجه من القصر، يخرج بانطباع أن سليمان «ينوي على شيء ما». خصومه يتساءلون عن قدرته على فعل ما لم يتمكّن من فعله حين كان على رأس الدولة. مؤيّدوه مسرورون برؤيته يطلّ من بكركي ثم يركب الطائرة متوجّها الى باريس، كأنه لا يزال يرتدي بزّة الرئاسة.
قبل عام، أسر سليمان في أذن أحد الوزراء الوسطيين قائلا «انا منحاز لكرامتي، ولن أقبل بالتمديد يوما واحدا».. يقول مسؤول لبناني واكب سليمان في الأشهر الأخيرة، ان هناك من «دَفَش» رئيس الجمهورية لقول كل ما قاله بشأن «حزب الله» وسلاحه، «كي يسقط التمديد باكرا».
المسألة في مكان ما، يضيف المسؤول نفسه «ارتدت طابعا شخصيا، فمن تأليف الحكومات الى التعيينات الى الشاردة والواردة، تعاطى خصومه معه بفوقية وعدم مراعاة لهيبة الرئاسة الأولى. حتى «حزب الله» الذي كان يدعمه بشكل كبير في النصف الأول من الولاية، كان دعمه يقف عند عتبة إرضاء ميشال عون حتى لو كان الأخير على خطأ». عند هذا الحدّ كانت أعصاب سليمان تتلف تدريجا.
ثمّة من يوحي اليوم، أن عبارة المعادلة الخشبية التي أقامت الدنيا ولم تقعدها لم تكن موجودة في النص المكتوب الذي تلاه سليمان، وبأنه ارتجلها في لحظة غضب.
أقرّ سليمان أمام أبو فاعور بأنه يريد أن تنطلق حكومة تمام سلام سريعا، طالبا منه ايجاد مخرج مشرّف لاعلان بعبدا. فكانت العبارة الوسطية التي صاغها ابو فاعور والوزير بطرس حرب والتي أشارت الى مقرّرات طاولة الحوار، فكان أن ولد بيان وزاري قال الأميركيون انه يساوي صفرا مقابل مكسب الحكومة.
في مقلب الوسطيين، وعلى رأسهم النائب وليد جنبلاط، ترحيب ببقاء سليمان في الصورة. البعض يذهب الى حد تحميل الرئيس السابق مهمّة فوق العادة: التأسيس لخيار مسيحي ثالث. هذا يفسّر، ربما، احتضان رئيس «جبهة النضال الوطني» له حتى آخر لحظات خروجه من القصر.
المقرّبون من المختارة لا ينفون هذا الاحتمال. المرحلة ليست مرحلة تكسير رؤوس. لا ميشال عون ولا سمير جعجع، بل خيار مسيحي يصطفّ خلفه جميع «المنكوبين» من صراعات الموارنة «الأقوياء». وبعبارة أوضح يقول هؤلاء «يسعدنا هذا الأمر، ونتمنّى أن نلاقي ميشال سليمان عند هذا الخيار إذا قرّر السير به».
لا ينظر عمليا الفريق الجنبلاطي الى سليمان كأنه صار من الماضي. الرجل أنهى ولايته الرئاسية بكمّ من العلاقات الجيّدة مع الفرنسيين والاميركيين والعرب والدول الخليجية والامين العام للامم المتحدة بان كي مون. واسمه من بين المرشّحين لخلافة الرئيس السنغالي السابق عبدو ضيوف على رأس منظمة الدول الفرنكوفونية، وهو صارح الكثير من الوفود التي التقاها في القمة العربية الأخيرة بأمر ترشحه.. وامكان دعمه.
وقبل أن يزور جون كيري بيروت، اتصل بسليمان مكرّرا مرّة أخرى إعجاب الادارة الاميركية بأدائه الرئاسي وحرصها على توافق اللبنانيين لإجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت.
وبرغم الرفض الجنبلاطي الفطري لكل آت من عالم العسكر، يعترف مقربون من الزعيم الدرزي بأن العلاقة مع سليمان، «كانت من أحلى التجارب مع رؤساء الجمهورية الذين عاصرهم وليد جنبلاط». هي معادلة المختارة – بيت الدين التي أشار اليها سليمان نفسه في الشوف، متناغما مع اصرار جنبلاط على الالتحاف بعباءة الوسطية كوصفة سحرية لأزمات الداخل.
ربما بعد طيّ صفحة سمير جعجع وميشال عون، رئاسيا، وفتح كتاب التوافقيين «الفعليين»، وفق الرؤية الجنبلاطية، فإن هذا الأمر سيشكّل مدخلا لـ«البيك» لاستعراض إضافي لفعالية المنتوج الوسطي القادر وحده على كسر جدار الاصطفافات وتوسيع دائرة التقاربات في موازاة الحوار الذي ينمو بين «حزب الله» و«المستقبل».