يلقي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في اليوم الاخير من ولايته وقبيل مغادرته قصر بعبدا خطابا وداعيا لفترة 21 دقيقة لعله الاطول له كرئيس للجمهورية يسترجع فيه كل المراحل والامور المهمة التي حققها في عهده محددا ما الذي تحتاج اليه للمتابعة او للاستكمال على نحو يرسم فيه خارطة طريق لخلفه الذي سيتأخر في تسلم الوديعة ولكن سيمكنه في نهاية الامر من الامساك بما تحقق والانطلاق منه على غير ما حصل مع سليمان.
لكن ماذا عن اليوم التالي؟
“سأذهب الى شقتي” يجيب الرئيس سليمان “النهار” ببساطة. “وسياسيا سأتابع الودائع التي وضعتها”. ما يخشاه هو “ان يحصل انتخاب الرئيس المقبل على وقع حوادث مماثلة لحوادث 7 ايار 2008 حتى لو اتت هذه الحوادث بي رئيسا وانا لست فخورا انني اتيت على وهجها اذ كنت اقول ان لدي قنبلة في يدي وهي انفجرت لكنها لم تقتلني انما قتلت الكثير من الالفة والعيش المشترك وادت الى جرح عميق في البلد حتى لو اتت بي رئيسا”. ولكنه مرتاح الى المستوى الامني اذ هناك حذر وحرص على عدم الاصطدام امنيا لكن “اخاف مما يطرأ من خارج اكان حادثا اقليميا او داخليا مناطقيا او طائفيا ثأريا والمهم ان نمسك بهذه في حال حصولها ونقرّشها بسعرها كما في موضوع الاسير او عرسال او حادثة الشيخين”، متمنيا “بعض التواضع لدى “حزب الله”.
قال له الرئيس نبيه بري بعد جلسة مناقشة الرسالة التي وجهها الى مجلس النواب انه اول رئيس يغادر موقعه بهذا الكم من الاشادات، فيما يشير الى الاشادات التي اطلقها كل من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط في الجلسة الاخيرة للحوار والتي اكتسبت اهمية كبيرة بحيث عدت من اهم الجلسات لتثبيتها تأكيد المناصفة واستكمال تطبيق اتفاق الطائف في استبعاد كلي لمؤتمر تأسيسي جديد، وانها اعطته حقه واكثر. طغت هذه الاشادات على محاولات مواكبة مغادرة الرئيس قصر بعبدا باتهامه بالسعي الى التمديد ورفضه له من “حزب الله” والتيار العوني وتعزيز هذا الرفض او تبريره بانقلاب لرئيس الجمهورية على مواقفه السابقة والنكث بالوعود. والتمديد اقتراح ومساع لم يغب حتى الى الايام الاخيرة من انتهاء ولايته بل كان موجودا بقوة. اعلن رفضه له منذ سنتين راغبا في تحرير نفسه والمحيطين به من مستشارين ومساعدين وفي تحرير عائلته كما يقول: “وزوجتي كانت الاكثر رفضا للفكرة ودافعة في اتجاه رفضها وانا متأكد ان التمديد لن يمشي حتى لو سعى اليه يسوع المسيح” فيما يرى ان البطريرك الراعي يضغط بمسعاه الى التمديد الى تجنب الفراغ والحض على انتخاب رئيس جديد.
أكثر ما آذاه خلال ولايته “عدم الاقتناع بالديموقراطية او بالممارسة الديموقراطية الطوعية بل على اساس من يربح ضد من. غيّروا مفهوم الانتخاب حين قالوا ان التعطيل حق ديموقراطي”.
أكثر ما يبدو مستغربا لديه “الزعم انه نكل بالعهود والوعود”. يقول انه “منذ توليه وهو في الجيش قدم عرضا للقيادة السورية بطلب من القيادة اللبنانية حول المدى الذي يمكن فيه الجيش ان يوقف الاسرائيليين وكيف سندافع لكي يدعمنا السوريون الذين لم اكن اعرفهم علما انني كنت مسؤولا في البقاع وهم طلبوا التعرف الي فجرى ذلك لمصلحة بلدي او ضده”. قال عن المقاومة انه “يحميها برموش العين ولا ازال لكن الحزب هو من اطاح بها وبمعادلة الجيش والشعب والمقاومة حين ذهب الى سوريا. فكيف يمكن الاحتفاظ بتغييب عنصرين فيما طرف يعمل ما يريد. هناك عيد للتحرير اي التحرير من اجل بناء الدولة وتعزيز الديموقراطية والكفاية وتعادل الفرص ولكن ماذا بعد التحرير وكيف استفاد لبنان منه ان لم يؤد الى بناء الدولة؟ ووضعت استراتيجية دفاعية لأحمي المقاومة التي يفترض ان دورها هو فقط للدفاع عن لبنان فاذا كانت المقاومة ستخطئ فستخطئ هي والدولة. ومفهوم المعادلة الثلاثية في الاستراتيجية ان الشعب يتولى ادارة المقاومة عبر الحكومة”.
ما يزيد استغرابه هذه الفورة في الاندفاع في تعيينات متوالية يقول انه لم يتغير فيها شيء عما كان مطروحا سابقا “لكنها باتت الآن تسير بسحر ساحر”. يرحب بالمظهر الجدي الذي يعطيه ذلك للدولة معربا عن اعتقاده انه سيكون اختبارا للنيات في مدة الفراغ الرئاسي اذا طال وتحديا للافرقاء ما اذا كانت نيتهم المحافظة على الاستقرار وتمرير شؤون الناس بالحد الادنى.
ما يفخر به هو علاقته الجيدة مع رؤساء الحكومات الذين توالوا ابان عهده ما ساهم في تعزيز موقع الرئاسة وتظهيرها على انها اهم بكثير من ان تكون موقعا مسيحيا فحسب.
لا يخفي انه يرغب في وصول “رئيس يكمل ما بدأته”: اعلان بعبدا، الاستراتيجية الدفاعية، مجموعة الدعم الدولية والهبة السعودية المهمة لدعم الجيش والتي جرت محاولات لإعطائها ابعادا سياسيا من دون جدوى فيما كل الدعم للبنان كما هو، المحافظة على السياسة الخارجية وفق القسم على الدستور”. لكن لم يجرؤ احد على التلفظ بهذه المبادئ ربما باستثناء الدكتور سمير جعجع الذي دعم الرئيس سليمان برنامجه فيما لم يشأ تأييد مرشح ولم يتفق مع بكركي على دعم مرشح حرصا على موقعها.
يخرج الرئيس سليمان الى حريته الشخصية ومعه خفايا الحاضر واسراره. خروجه مشرف وكبير مع اسف وحيد هو عدم تسليم الرئاسة الى خلف له.