تقترب مواعيد الاستحقاقات الداخلية، في حين تحافظ الطبقة السياسية على سلبيتها التي شلت الدولة، وعطلت المرافق، ووضعت المواطن في مواجهة مع ملفات خانقة، أوّلها وأهمها معيشياً تبدأ بأزمة ماء غير مسبوقة، يتحمل مسؤوليتها التغيّر المناخي، من جهة، حيث سجلت معدلات المتساقطات أدنى مستوياتها، وسوء إدارة الأزمة، وغياب الخطط لاستيعابها، من حيث بناء السدود، وتحديث الشبكة لوضع حدّ للهدر والسيطرة على تجارة المياه، المتفلتة من رقابة الدولة والأصول الصحية والمادية المرعية.
أما أزمة الكهرباء فهي لا تقل شأناً، إذ أن معدلات التقنين تضاعفت خلال شهر رمضان، وأعادت طرح التساؤلات الكبرى عن إنجازات الوزير باسيل، الذي عطّل الحكومة، وأقام الدنيا ولم يقعدها، حتى حصل على السلفة المليارية لتلزيم البواخر التركية، بعدما وعد اللبنانيين بالكهرباء 24 ساعة يومياً… فإذا بـ «فاطمة غول» تتحوّل إلى مشكلة جديدة للحكومة، ويغرق المواطن بظلمة فساد الطبقة السياسية وعجزه عن محاسبتها.
أما تأمين رواتب موظفي الدولة، فهو المنتج الجديد في بورصة الأزمات الداخلية.. إذ بلغ شدّ الحبال لقمة الموظف، الذي ينتظر آخر الشهر ليحاول تغطية نفقات متضخمة، أفقدت الراتب قيمته، من دون إظهار أية نية لدراسة جدية لمسألة سلسلة الرتب والرواتب، والتي في حال تمت، تختصر مساراً طويلاً، من الكيديات والمتاجرات الرخيصة، وتقر خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية، والتي لا يحاول أحد إنكارها، بل لا بدّ من البحث عن الحلول العلمية والعقلانية لتجاوزها.
أما صفحة «قطع الحساب» التي يُصرّ فريق 8 آذار على إبقائها مفتوحة، فهي تشكّل مادة تجاذب لا أكثر ولا أقل، ولا تظهر أي حرص على مصلحة المواطن أو المال العام، إذ تقضي الحاجة بلمّ الشتات السياسي، وتوحيد الجهود لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمأزق السياسي، الذي بدأ بالشغور الرئاسي، ويبشّر بالاستمرار مع اقتراب الاستحقاق النيابي، في حين تعطل التشريع مع تعطيل الرئاسة الأولى»، من دون أن يتم تجاوز المطبات التي تواجه مجلس الوزراء، مع مسؤولياته المضاعفة حالياً.
لقد انقضى عهد كامل من بعد حكومتي السنيورة والحريري، وما زالت الملفات، من دون الخوض في صدقيتها، مفتوحة.. في رسالة واضحة أن ساعة التوافق الداخلي لم تأزف بعد، ولم يحن الوقت للشركاء في المصالح، أن يتشاركوا في وطن.. إذ أثبتت التجارب، في أكثر من مرّة، أن المصلحة الشخصية قادرة على خلق المعجزات، وتقريب المسافات وجمع الأخصام حول طاولة واحدة.. بل وفي عهد واحد.
هذا ما فشلت المصلحة الوطنية في تحقيقه.. ولا يبدو أنها قادرة عليه، على الأقل في المستقبل القريب!