Site icon IMLebanon

شرق التنوّع يمضي إلى الظلام!

انعقد مجلس النواب بكل أطيافه السبت تضامنا مع اهالي غزة الذين يتعرضون لعدوان همجي، ورفضا لما يجري من اعتداءات همجية ايضا في الموصل وأمكنة اخرى من العراق، وربما في سوريا. والفارق كبير بين عدو محسوم، وآخر كنا نظنه حتى الامس القريب شريكا في العروبة والمواطنة.

كان غسان تويني وغيره من مفكري الارثوذكس يعتبرون اسرائيل اكبر خطر على المسيحية المشرقية لانها تسعى الى إفراغ هذا الشرق من مسيحييه الاصيلين، لإلغاء التنوع فيه، والتفرغ لمحاربة الاسلام، او بالاحرى لإحياء الصراع السني – الشيعي، وجعل المسلمين يتلهون مئة سنة في صراعاتهم الداخلية، فترتاح الدولة العبرية منهم، وخصوصا من عبء التضامن الغربي والتعاطف المسيحي العالمي مع مسيحيي المشرق.

اليوم لا يزال الخطر الاسرائيلي قائما، ولكن أضيف اليه خطر جديد يستهدف المسيحيين اولا، ويحيي الفتنة السنية – الشيعية ثانيا. انه خطر الاسلاميين التكفيريين الذين لا يقيمون وزنا لأي قيمة انسانية او حضارية او تراثية، فتراهم ينقضون على التراث الانساني والثقافي، فيدمرون تاريخهم، وكل الحضارات التي تعاقبت.

والخطر الداهم اليوم على مشرقنا، يخدم اهداف اسرائيل اولا، لأنه يحقق لها إفراغ هذا الشرق من مسيحييه، ويحيي صراعا تاريخيا نشهد على بداياته من غير ان يتنبأ أحد بموعد نهايته.

لكننا لن ننجر الى اعتبار الجرائم المرتكبة في حق مسيحيي الموصل، واماكن اخرى من العراق وسوريا، كما خطف المطرانين المفقودين، من الاسلام، لئلا نخدم اسرائيل ايضا، في اذكاء الصراع الديني بين مسيحيين ومسلمين، بل ندفع في اتجاه اعتبار الحالة التكفيرية طارئة على الاسلام.

إلا أن الالم المسيحي كبير من قعود المسلمين المعتدلين عن ردع هذه الظاهرة ووضع حد لها، كما أن الاسف والعتب كبيران لغياب المبادرات والتحركات في الدول العربية كافة للضغط في اتجاه وقف الابادة الجماعية في العراق، كأن اهالي غزة مواطنون عرب من الدرجة الاولى، فيما العرب المسيحيون في العراق اهل ذمة لا يستحقون وقفات تضامن في كل دولة عربية.

إن إلغاء التنوع في هذا الشرق يضر بالمسيحيين طبعا، لأنه يهجرهم من اوطانهم، لكنه قد يحملهم الى بلدان اكثر حضارة واستقرارا وامانا، اما اضراره على المسلمين فأشد وطأة لانه يعيدهم الى منطق الاحادية مع ما فيه من تبلد ذهني وتخلف حضاري وانطواء على الذات، وتالياً فانه يرسم صورة ظلامية للاسلام في ذاته، وهذا ما لا نريده إطلاقاً، لاننا قبلنا العيش معاً، وارتضيناه، ونتمسك به نمط حياة، وايمانا عميقا بالمسيحية التي تحب الآخر، كما كتب المطران جورج خضر في “النهار” عن معنى الصوم في رمضان. فهل تنطلق مبادرات عربية تلاقي هذا الخط وتعبر عن اكثرية صامتة ام يستسلم العرب امام موجة الجريمة؟