اليوم 11 أيلول، إنَّها الذكرى الأكثر إيلاماً للولايات المتحدة الأميركية التي كانت تفاخر بأنَّها تلاحق الإرهاب والإرهابيين في عقر دارهم، ففاجأها الإرهاب في عقر دارها.
تأتي ذكرى 11 أيلول، في وقتٍ تحشد الولايات المتحدة الأميركية الحلفاء والقوى، لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي تُعرَف إختصاراً داعش والتي تفوقت بأفعالها على ما تقوم به القاعدة التي أنبثقت عنها جبهة النصرة.
بعد ثلاثة عشر عاماً على أحداث 11 أيلول، يُلاحَظ أنَّ داعش والقاعدة إنتقلا من الدفاع إلى الهجوم:
داعش تتقدَّم في العراق وسوريا، والقاعدة تحاول التقدُّم في شمال أفريقيا، ويُعلِن قادتها أنَّهم يُخطِّطون للتوسُّع في الهند.
لكن ما يقومان به ليس نزهة، فالتحالف الدولي بدأ يتبلور للمواجهة، ويبدو أنَّ أيلول 2014 يشبه إلى حدٍّ بعيد أيلول 2001، فهل من مفاجآت؟
تستعيد واشنطن ذكراها الأليمة فيما مسيحيو الشرق حملوا آلامهم إليها… مؤتمر الدفاع عن مسيحيي الشرق تضجُّ به العاصمة الأميركية، حيث يحضره ويشارك فيه أكثر من ألف شخصية يأتي في طليعتها، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي سيوجِز عصارة ما ناقشه المؤتمر وما توصَّل إليه، للزميل مرسال غانم مباشرةً من العاصمة الأميركية في برنامجه الذي ينتظره كثيرون، كلام الناس. وحلقةُ الليلة تكتسب أهميةً قصوى لأنها ستكون موجَّهة ليس للبنانيين فحسب بل للمسيحيين من العراق إلى القدس وصولاً إلى مصر، حيث ستتمُّ الإجابة عن سؤال:
مسيحيو الشرق إلى أين؟
علماً أنَّ الجوابَ البديهيّ هو:
لا مستقبل لمسيحيي الشرق بمعزلٍ عن سائر شعوب الشرق، فالعزلة والتقوقع لا حياة لهما إنَّما الحياة بالشراكة مع سائر الشعوب، وهذه لبُّ القضية التي يحملها الكاردينال الراعي. أليس نيافته مَن استشرف المرحلة فطرح شعار شركة ومحبة لحظة اعتلائه سدّة البطريركية؟
وكأنّي به اليوم يقول:
يحتاج الشرق اليوم، أكثر من أيِّ يومٍ مضى، إلى الشركة والمحبة.
أين لبنان من كلِّ ما يجري؟
إذا كان مسيحيو الشرق خائفين على مصيرهم، فإنَّ المسيحيين في لبنان، مع اللبنانيين عموماً، خائفون على مستقبلهم، مَن لا يُصدِّق هذه الحقيقة المؤلمة فليقُم بجولةٍ صباحية في محيط سفارات الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، ليرى بأُمِّ العين الصفوف الطويلة لجيل الشباب الذين يتوسَّلون تأشيرةً إلى تلك الدول، تُشكِّل بالنسبة إليهم، قارَب خلاصٍ من جحيم المجهول والمستقبل المقفل والأبواب الموصَدة.
الخطرُ في لبنان وعلى اللبنانيين مُضاعف، فليس المستقبل هو وحدَه المجهول، بل الحاضر أيضاً، وحتّى الماضي مجهولٌ في هذا البلد:
كم من الحقائق بالأمس مازالت مطوية؟
وكم من معطيات اليوم مازالت مسار جدلٍ ونقاش؟
وكم من إعتبارات الغد ما تزال مجهولة؟
إننا في هذا البلد نعيش في مثلث غامض بين الماضي والحاضر والمستقبل.
والخطر الأكبر أننا نعيش في فراغ على مجمل المستويات، لا على مستوى واحد، وهذا الفراغ ليس نابعاً من الدستور بل من الممارسة السياسية.
كلُّ هذه المخاطر والأخطار، هل لمؤتمر واشنطن أن يعالجها وأن يلحظها في توصياته؟
الأمل يعمُّ الجميع.