“عقبتان أساسيتان تعرقلان أي تقارب بين إيران والسعودية ودول أخرى وأي تفاهم بينها على حل القضايا الإقليمية الرئيسية العالقة وهما: الأولى – ان إيران تتصرف على أساس انها منتصرة في المنطقة وانها تملك أوراقاً قوية في ساحات مهمة أبرزها سوريا والعراق ولبنان وتريد تالياً التفاوض مع الدول العربية والغربية من موقع قوة وانتزاع تنازلات منها من أجل تحقيق المكاسب لها ولحلفائها. الثانية – ان إيران تتصرف على انها الدولة الرئيسية المحورية في الشرق الأوسط وتسعى الى فرض هيمنتها على المنطقة وتريد من الدول الأخرى المعنية التفاوض معها على هذا الأساس. لكن السعودية والدول العربية والغربية المعنية بالأمر ترفض تماماً هذه الشروط والمواقف الإيرانية وترى انها تتناقض مع الحقائق والوقائع ومع المطالب الضرورية المشروعة لإنجاز تفاهمات جدية عربية – إيرانية – غربية تعزز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة”.
هذا ما أدلى به إلينا مسؤول أوروبي بارز في باريس على اتصال مباشر بالمسؤولين السعوديين والإيرانيين وجهات أخرى وقال: “إن الدول العربية والغربية المعنية بهذه القضية تستند في تعاملها مع القيادة الإيرانية الى الأمور والعوامل الأساسية الآتية:
أولاً – إن إيران ليست منتصرة إذ ان المطلوب منها تقديم تنازلات جوهرية كبيرة من أجل إنجاز الاتفاق النووي النهائي مع الدول الست الكبرى، وليست لديها فعلاً أوراق قوية في المنطقة تعزز موقفها التفاوضي مع الدول الأخرى، ذلك ان حلفاءها الإقليميين الأساسيين فشلوا في تحقيق أهدافهم وأهداف طهران. فسوريا أفلتت من قبضة حليف طهران نظام الرئيس بشار الأسد الذي فشل في استعادة سيطرته عليها وفي القضاء على الثورة الشعبية، بل ان حربه ألحقت الكوارث بالبلد فانقلبت الأوضاع جذرياً فيه وفقد النظام القدرة على الخروج من المأزق الخطر وعلى معالجة المشاكل الهائلة التي يواجهها السوريون. وإيران تملك نفوذاً في سوريا، لكنها عاجزة وحدها عن وقف الحرب وفرض الحل السياسي الذي يناسبها. وفي العراق أراد رئيس الوزراء نوري المالكي وبتشجيع من طهران الانفراد بالحكم مع بعض حلفائه، فتخلى عن إتفاق إربيل الموقع عام 2010 والذي يحقق المشاركة في السلطة بين الشيعة والسنة العرب والأكراد، فبات البلد على حافة حرب أهلية. وفي لبنان ليس “حزب الله” قادراً على أن يكون القوة السياسية المهيمنة على البلد على رغم دعم إيران له وامتلاكه إمكانات عسكرية ضخمة، بل انه مضطر الى الدخول في عملية تفاوض ومساومة مع القوى السيادية الإستقلالية من أجل انتخاب رئيس جديد وفاقي وتشكيل سلطة شرعية جديدة وضمان الحد الأدنى من الأمن والاستقرار. أما في منطقة الخليج، فلم تستطع إيران تحقيق أي إنجاز أو إختراق لمصلحتها، بل ان دول هذه المنطقة بقيت متماسكة موحدة في تعاملها مع طهران وفي رفض شروطها وفي حرصها على تعزيز علاقاتها مع أميركا والدول الغربية الأخرى.
ثانياً – إن السعودية والدول الأخرى المعنية بالأمر مستعدة للتعامل مع إيران على أساس انها دولة مهمة ولكن ليس على أساس انها الدولة المهيمنة على المنطقة، وهي راغبة في تعزيز التفاهم والتعاون معها، لكن ذلك يتطلب من القيادة الإيرانية أن تنفذ الخطوات الآتية: الأولى – العمل مع الدول الأخرى المعنية من أجل إنقاذ سوريا وليس محاولة إنقاذ نظام الأسد والتعاون من أجل قيام نظام جديد تعددي يحقق التطلعات والمطالب المشروعة للشعب السوري بكل مكوناته. الثانية – العمل جدياً على تحقيق المشاركة الحقيقية في السلطة في العراق بين المكونات الأساسية للشعب مما يمنع إنزلاق البلد الى مزيد من الحروب الداخلية التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها. الثالثة – تشجيع حلفاء طهران في لبنان على تبني نهج التوافق والمصالحة الوطنية والتفاهم مع الأفرقاء الآخرين على انتخاب رئيس جديد وفاقي يواصل مسيرة الرئيس ميشال سليمان ويعزز ركائز الدولة وسلطتها. الرابعة – إحترام سيادة الدول الخليجية وقراراتها وتوجهاتها غير المهددة للمصالح الإيرانية والامتناع عن التدخل سلباً في شؤونها وتطبيق سياسة حسن الجوار في التعامل معها لأن ذلك يحقق المصالح الحيوية المشروعة والمتبادلة لكل الأطراف ويعزز استقرار المنطقة”.
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “تستطيع القيادة الإيرانية تنفيذ هذه المطالب والمشاركة في صنع السلام في المنطقة وفتح صفحة تاريخية جديدة مع دولها إذا طبقت ونفذت فعلاً المواقف الجريئة التي أعلنها أخيراً الرئيس حسن روحاني وجاء فيها ان نهج المواجهة مع العالم ليس نهجاً ناجحاً وانه ليس ممكناً حل المشاكل داخلياً وخارجياً والتعامل مع الدول الأخرى من طريق المواجهة المتواصلة والتطرف والاكتفاء برفع الشعارات”.