هل اخطأ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية يوميا، مع انه يعرف ان عقد جلسة كل ساعة لن يفي بالغرض، طالما ان نصاب الثلثين لن يتأمن. لذا ثمة من يسأل عما يمنع تعديل هذا الاجتهاد الدستوري ليصبح الانتخاب بالاكثرية المطلقة، بعدما اثبتت التجارب ان الذين ستناط بهم العملية الانتخابية مقيدون بعوامل سياسية محلية وخارجية والمقصود بذلك هم قوى8 اذار ومن دار في فلكهم.
من هنا ايضا، تصح مطالبة البطريرك الراعي بأن يطلب من رعيته نوعا من الجدية في الترشح، لاسيما بالنسبة الى من يقاطع الحضور على اساس رفض تأمين الثلثين، والمقصود هنا هو الفريق المسيحي الذي يتأثر بقرار بكركي اكثر من تأثره بقرار حزب الله او اقل نسبيا، خصوصا ان عدم ترشح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد المتقاعد مشال عون يكاد يعطي التأكيد وراء التأكيد ان حظوظه الرئاسية منعدمة تماما وينطبق عليها المثل القائل «ان من تضطره للذهاب معك الى الصيد بلاه وبلا صيده».
وعلى اساس ما اقترحه عون بالنسبة الى تعديل الدستور لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، يفهم ان التعديل لن يحصل، كذلك لن يحصل عون على ما هدف اليه لانه لن يصل الى الرئاسة الاولى ولن يكون مقبولا من الاكثرية النيابية، وحسنا فعل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عندما قطع الطريق على «الجنرال» لانه يعرفه انه غير قادر على تحمل اعباء الخوض في الانتخابات الرئاسية بحسب ما ينص عليه الدستور. لذا اقترح تعديله وهو يعرف في المقابل ان الاغلبية النيابية لن توافقه الرأي ولن تسمح له بخوض انتخاب يكون قادرا من خلالها على ان يكون رئيسا للجمهورية، حيث من المؤكد ان الرجل لن يكون مؤهلا لتولي الرئاسة، لذا لن يكون امامه سوى الصوت الشيعي الذي يتطلع اليه من خلال الاغلبية الشيعية عبر «الانتاجية التي تتمثل بها الطائفة»!
واذا كان من مجال امام البطريرك الراعي لان يضع يده على «العلة العونية» فما عليه سوى مطالبة عون بأن يترشح وينزل الى مجلس النواب، عله يتأكد انه غير مرغوب فيه، وان لا مجال امامه لان يصبح رئيسا للجمهورية، على رغم ما وعد به نواب «التكتل العوني» من انهم سيلفون ويدورون على الفاعليات جميعا هذا الاسبوع على امل تغيير ما هو قائم بالنسبة الى تمسك قوى 14 اذار بترشح «الحكيم» للرئاسة، فيما هناك من يجزم بأن ما قاله نواب عون عن الجولة الاستطلاعية يهدف الى احد امرين اما محاولة تغيير مواقف بعض النواب، وهذا مستحيل، واما جس نبض بعض النواب من محاولة سحب سمير جعجع ترشيحه مقابل عدم ترشح «الجنرال» وفي الحالين يكون عون قد وجد من ينقذ له ماء وجهه.
وهذا الاقتراح يأتي في سياق انسحاب عون كي لا يقال ان خصمه اللدود قد فاز عليه في معركة رئاسية لا لبس فيها؟!
وفي حال نجح العونيون في مسعاهم تكون الرابية قد استعاضت عن ماء الوجه بمحاولة سياسية خشبية لاسابق لها، ان من جهة الاعتراف الضمني بأن عون ليس فرس رهان او لانه لن يكون خصما سياسيا يمكن ان يحترمه خصومه مهما كان هؤلاء ومهما اختلفت نتائج جس النبض السياسي الذي يرى العونيون انه لا بد منه (…)
اما الخيار الاخر الذي يتحدث عنه نواب حزب الله فهو استمرار الرئاسة في الدوران في حلقة مفرغة، الامر الذي يعزز اعتماد عون على رأي حزب الله، من غير حاجة الى ان يأخذ برأي بكركي وجهود الرئيس بري الذي يعرف ان المشكلة لا تكمن في عدد جلسات الانتخاب وهو ما سبق له قوله عبر نواب كلفهم زيارة بكركي في اكثر من مناسبة.
كذلك، فان عون يتكل على تعقيدات جبهة النضال الوطني المتمسكة بترشيح النائب هنري حلو على امل ان يجني رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ما يتطلع اليه من مكاسب سياسية وغيرها «قبل ان يحين موعد الانتخابات النيابية التي ستكون بدورها محل المزيد من العقد السياسية، حيث لا تقتصر المطالب على «نائب بالزايد او نائب بالناقص». وحسنا فعل سمير جعجع عندما تعهد في بيان ترشحه بأنه سينصرف الى ترجمة ما لم يعمل به منذ اتفاق الطائف (…) اي انه سيعطي جنبلاط (الدروز) رئاسة مجلس الشيوخ، وهي افضل هدية سياسية ينالها الاخير من لحظة وضع دستور الطائف الى الان!