Site icon IMLebanon

صمت المسيحيين ضعف وغيابهم قصر نظر

الواقع اللبناني الأليم يستدعي من الجميع مراجعة نقدية ويتطلب مواقف جريئة تصب في خانة حماية الوطن اللبناني من النار الملتهبة ومن الانقسامات القاتلة. وحين يؤكد رئيس مجلس النواب اللبناني بأن الوضع في فوهة الخطر، فعلى اللبنانيين اخذ هذا التصدع على محمل الجد واعداد ما يلزم لوقف امتداد النار الى الساحة اللبنانية.

أ – تدفق مئات الآلاف

اعتاد اللبنانيون مناكفات زعمائهم وتصريحات قادتهم، لكنهم اليوم امام وضع لم يعرفوه من قبل ولم تعد اللعبة برلمانية او ديموقراطية، اضحت دموية وفتحت النار من كل جانب، وهذا ما ادى الى اندفاع مئات الألوف الى الداخل اللبناني هاربين من الموت والدمار او متدفقين الى لبنان ليشكلوا رد فعل على ما يسمّونه العدو تغذيهم احقاد وتدفع بهم احوالهم المزرية الى كل اشكال المواجهات، فيما الوطن منقسم ومشرذم توسعت فيه نقاط التماس وتداخلت وأصبح الفصل امراً صعباً، بل مستحيلا.

ب – ادارة الأزمة مسؤولية لبنانية مشتركة

إن غياب الرئاسة الاولى عن تنظيم قواعد الاشتبا ك يشكل عاملا اساسياً في تعقيد المشهد المأزوم، وفي اهتراء الدولة وتفسخها، وتالياً في تعثر الأجهزة الامنية وانفراط عقد المواجهة امام هذا الضياع والتسيب وانفتاح الشهيات على كل اغراء داخلي وخارجي.

المرجعيات السياسية والدينية مطالبة اليوم بدعم القوى الامنية وعلى رأسها الجيش وانشاء تيار وطني جامع يقف الى جانب المؤسسة، وكذلك على الجمعيات الاهلية والاحزاب اتخاذ مبادرات وطنية تصب كلها في مصلحة التهدئة وتشكيل قوة ضاغطة للحؤول دون التفسخ والانحلال في مؤسسات الدولة.

لا بد من ايجاد رديف مواز لهذا الخلل العضوي الحاصل في جسد الدولة والالتفاف على كل الاصوات الداعية الى القتال والمواجهة، قوى عابرة للمذاهب المتصارعة كفيلة بأسماع صوتها ودق ناقوس الخطر الذي يهدد الطوائف اللبنانية كلها وينزع عنها الشرعية الأخلاقية والوطنية لتحريك عوامل المصالحة وفضح عوامل الفرقة والتعصب، لأن الحروب الداخلية تسقط بفظاعاتها كل المطالب المحقة وتجعل الجميع يسير في ركب القتل والتدمير ولا يعود للعقل مكان في هذه العراضات المسلحة وهذا الجنون.

ج- غياب المسيحيين عن الساحة لا يشرّفهم مطلقاً

اذا كان الشيعة والسنّة قد أعدوا العدة للمواجهة، فإنه المسيحيين الغائبين عن الساحة يتحملون وزر هذا الانشقاق وتقع عليهم مسؤولية اغراق البلاد في مزيد من الفوضى والضياع لافتقادهم خطة عمل وخريطة طريق وغياب رؤيا لهم اولاً وللبنانيين ثانياً، رؤيا تتعلق بطريقة حمايتهم في حال المواجهة المذهبية الشاملة وخطة عمل لانقاذ ما تبقى من مساحة حرية يستفيد الجميع من وجودها. التركيز على انتخاب رئيس للجمهورية قضية اساسية وجوهرية وملحة، لكنها غير كافية في هذه الظروف العصيبة اذ يجب ان تتلازم وخطة عملية تضع أمن الجماعة المسيحية في مقدمة أولوياتها، وكل تقاعس عن هذا الامر هو تخاذل وجبن لأن حياة الجماعة أهم من المناصب والرئاسات. صمت المرجعيات المسيحية يضعنا أمام سؤال حيوي: هل استنفدت هذه المرجعيات قواها وباتت عاجزة عن تقديم مبادرات جديدة؟

إن ما وصل اليه المسيحيون من غياب عن الساحة العامة ومن تقديم حلول او محاولة رأب الصدع يشير الى ازمة زعامات وأزمة ثقة بالنفس وهذا اخطر ما يمر فيه وطن وشعب.

الفرصة سانحة ومؤاتية ان يؤدي المسيحيون دور العراب ودور الاطفائي وان حاولوا وفشلوا فما عليهم إلاّ النظر في أمورهم الخاصة الحيوية وأولها كيفية حماية انفسهم من هذا اللهيب. وما هي الأساليب الناجعة لهذا الواجب الأخلاقي لأن تحصين النفس ينعكس ايجاباً على الآخرين.

الخوري اسكندر الهاشم