قبل الحديث عن إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب، فلننتظر أولاً انعقاد الجلسة النيابية المخصصة لإقرارها. وقبل ذلك أيضاً الإتفاق على مسار مناقشتها وأي سلسلة ينبغي إقرارها لتجاوز الأزمة التي تهدد مصير التلامذة وتترك تأثيراً على التعليم عامة وعلى مستوى الشهادة اللبنانية. لكن على مجلس النواب أن يحدد المسار الذي سيسلكه في التعامل مع السلسلة، والذي يحدد التصدي لها جدياً، مستقبل التعليم في لبنان، باعتبار أنها تعني المعلمين بالدرجة الأولى ثم التلامذة وأهاليهم. ونحن إذ نخاف على مستقبل التلامذة، كذلك هاجسنا مستقبل التعليم ومعه المستوى والقدرة على إبقاء لبنان متميزاً في هذا القطاع الذي يعاني على كل المستويات.
ولعل تحديد مسؤولية وصول الأمور الى هذه المرحلة من التأزم، لا يعفي من التصدي للمشكلة. فالجميع يحاول تسليط الضوء عن المسؤول الأول عن الأزمة، فيما القضية تجاوزت هذا الأمر، وباتت أكثر خطورة، مع طرح قضايا التعليم الخاص والعام على بساط البحث، وعدم قدرة قسم كبير من اللبنانيين عن الإستمرار في تعليم أولاده في مدارس خاصة كبرى، في حين ان التعليم الرسمي متروك للقدر، حتى إن البعض يمعن في تهميشه وضرب إمكان نهوضه مجدداً على قاعدة مختلفة، بعيداً من سياسة التعاقد العشوائية، أو الإهتمام به من الأبراج العالية، حيث لا إمكان لإخراجه من أزمته بطرق تقوم على سياسات فوقية وقاصرة أيضاً.
ومهما تكن النتيجة اليوم، في شأن الجلسة العامة، إقراراً للسلسلة أم تأجيلاً، أم خلافاً، أو استحضار أزمات أخرى لا علاقة لها بالقضية، فإن التعليم بات في موقع الضحية، بسبب سياسات قاصرة لا تنظر الى المستقبل، ولا الى مصالح الفئات الواسعة المعنية. فكيف نفسر مثلاً التغاضي عن تهديدات هيئة التنسيق النقابية منذ ستة أشهر بمقاطعة الإمتحانات الرسمية؟ وكيف نفسر التعامل بخفة مع عشرات الألوف من المعلمين والموظفين وفي القطاعات المختلفة، بأن ما يطالبون به لا يمكن أن تتحمله موازنة الدولة واقتصادها وماليتها؟ في حين أننا نشهد يومياً وشهرياً ارتفاع المديونية العامة، وزيادة في العجز، وارتفاعاً في نسبة الدين الى الناتج، يتخطى كل التوقعات، ولا من يحرك ساكناً لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة التي تهدد اللبنانيين بالفقر وتأخذ الاقتصاد الى الهاوية، وتهدد أيضاً مالية الدولة بالإنهيار، فتسير الأمور على ما هي عليه من دون إجراءات استثنائية وخطط ومشاريع توقف الهدر وتكافح الفساد، ويستمر الصرف بالجملة والمفرق بلا رقابة ولا حساب!
ولعلنا نستطيع ايضاً توجيه الكلام الى هيئة التنسق النقابية، أمام خطة وزير التربية “غير المسبوقة” من أن الإستمرار في مقاطعة الإمتحانات والمواجهة على هذا النحو، لا يحقق المطالب التي تطمح بتحقيقها. هي اليوم وضعت في مواجهة الأكثرية من اللبنانيين، وعليها أن تقنع الناس بأن تحركها لمصلحتهم!