تجنيد» وتبدّل ولاءات سياسية وبلدية!
طرابلس: المواجهة تحتدم بين «المستقبل» وميقاتي
لا تزال محاصرة الرئيس نجيب ميقاتي في مدينته طرابلس تشكل أولوية سياسية بالنسبة لـ«تيار المستقبل» وزعيمه الرئيس سعد الحريري الذي يبدو أنه يعمل على تجنيد أكثر من جهة أو ماكينة من أجل استهدافه، سواء على المستوى الشخصي، أو على المستوى السياسي من خلال محاولات استفراده وفك ارتباطه مع المقرّبين منه، خصوصا وزراء حكومته السابقة.
لعل الحريري يدرك بأنه لا يستطيع إلغاء ميقاتي كقوة سياسية فاعلة من المعادلة الطرابلسية والشمالية، خصوصا أن نظيره في رئاسة الحكومة يتمدد شعبيا بهدوء تام في طرابلس من خلال مساعداته الاجتماعية ومؤسساته الخيرية، مقابل تراجع شعبي ملحوظ لـ«تيار المستقبل» في المدينة، خدماتيا بسبب إغلاق حنفية المساعدات الزرقاء: ماليا وعينيا منذ انتخابات العام 2009، وسياسيا بسبب عدم الثبات على المواقف، وقيام شرائح طرابلسية واسعة مؤخرا بتحميله مسؤولية ما يحصل لأبناء المدينة في السجون أو عبر التوقيفات العشوائية بعدما قام بتحريضهم وشحنهم سياسيا ومذهبيا ما دفعهم الى حمل السلاح عندما كان خارج الحكم، ومن ثم تخلى عنهم لدى عودته الى السلطة.
لذلك، فإن الحريري يبذل جهدا مضاعفا اليوم من أجل استفراد ميقاتي، وهو سارع بعد وفاة الرئيس عمر كرامي الى الدخول على العلاقة المميزة التي جمعت نجله الوزير السابق فيصل كرامي بميقاتي خلال حكومة الأخير وبعدها خلال مرض «الأفندي» والعزاء الذي أقيم له، وذلك من خلال دعوته الى الرياض وإرسال طائرة خاصة له تحت عنوان التشاور في بعض الأمور السياسية.
كما لعب الحريري على خط التباينات بين ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي فأعاد وصل ما انقطع معه من خلال استقباله أكثر من مرة، وحرص على إظهار ذلك أمام وسائل الاعلام والبناء عليه سياسيا. كما عمل مؤخرا الى إغراء بعض أعضاء المجلس البلدي في طرابلس من الذين كانوا يحسبون أنفسهم على ميقاتي وضمهم الى كتلته ضمن المجلس، واستفاد من العلاقة الجيدة مع الصفدي وكرامي من أجل ايصال المهندس عامر الرافعي الى رئاسة البلدية، وهو أول رئيس في تاريخ طرابلس يكون محسوبا بالكامل على «تيار المستقبل»، بالرغم من أن الرافعي سارع الى زيارة ميقاتي طالبا دعمه ومؤازرته في مسيرته، واعدا إياه بتحييد السياسة عن العمل البلدي.
ويهدف «زعيم المستقبل» من وراء كل ذلك، الى إعادة إظهار هيمنته السياسية على طرابلس بعد أن لمس تراجعه الشعبي فيها، وهو يمني النفس بوضع منافسه الأول نجيب ميقاتي أمام خيارين: إما الانكفاء، أو الرضوخ للشروط الحريرية في أي استحقاق سياسي أو انتخابي مقبل.
وبما أن الاستحقاق الانتخابي لا يزال متأخرا، أو في علم الغيب في ظل الظروف السياسية والأمنية داخليا وإقليميا، فإن ميقاتي يتعاطى مع محاولات محاصرته بكثير من الهدوء والتكتيك السياسي الذي يترجم انفتاحا على كل المكونات الطرابلسية والشمالية من دون استثناء، علما أن كل ما يخسره «تيار المستقبل» يصب تلقائيا في مصلحة ميقاتي.
وفي هذا الاطار، علمت «السفير» أن ميقاتي التقى النائب السابق مصباح الأحدب على غداء في بيروت، واتفقا على التنسيق بما يخص طرابلس، وقد نتج عن هذا اللقاء تبادل رسائل إيجابية بين الرجلين، فأثنى ميقاتي على مواقف الأحدب في أكثر من لقاء مع الهيئات المدنية في طرابلس، فيما استشهد الأخير بمواقف ميقاتي في أكثر مناسبة.
كما شنّ الأحدب هجوما عنيفا، أمس الأول، خلال مؤتمر صحافي على وزيري الداخلية والعدل، لافتا الانتباه الى أن وزارتيهما أصبحتا أداة بيد «حزب الله»، داعيا الرئيس الحريري الى «عدم تحويل أبناء السنة في لبنان الذين تمثلهم في السلطة الى مضطهدين مطلوبين هاربين من نظام بات اظلم من نظام الاسد».
كما تشير المعلومات الى أن ميقاتي التقى قيادة «الجماعة الاسلامية» خلال الاسبوع الفائت في طرابلس وكان اللقاء إيجابيا للغاية، علما أن «الجماعة» وجهت أكثر من انتقاد علني للحريري خلال المرحلة الماضية، سواء لدعمه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، أو لتنفيذه السياسة السعودية بالتضييق على حركة «الاخوان المسلمين»، أو بسبب ما تسميه «الجماعة» تعاطيه الفوقي معها لبنانيا وعدم التواصل مع قياداتها أو حتى استقبالها، وقد أكد قياديوها في أكثر من مناسبة «أن ميقاتي كان في الحكم أكثر واقعية من الحريري».
يضاف الى ذلك تمسك ميقاتي باحتضان الوزير السابق فيصل كرامي الذي لا يزال يؤكد في كل مناسبة أن العلاقة بينهما ممتازة، ومحاولاته الحثيثة لتعزيز علاقته مع الوزير الصفدي وطي صفحة التباينات الماضية، سواء بالمباشر أو من خلال ابن شقيقه أحمد الصفدي، فضلا عن انفتاحه الواسع على النائب محمد كبارة الذي يلتقيه بشكل متواصل في طرابلس وينسقان سويا في كثير من الأمور المتعلقة بالمدينة أو بحقوق أبنائها في المؤسسات العامة.
ويشير متابعون الى أن ميقاتي بات يشكل هاجسا حقيقيا لـ«تيار المستقبل» في طرابلس والشمال، خصوصا أنه كلما ظن الحريري بأنه نجح في قطع طريق سياسي على ميقاتي في مكان ما، فاجأه الأخير بفتح عدة طرقات فرعية.