التفاهم الإيراني ـ السعودي قريب من دون «تبويس لحى»
طهران تلتزم رؤية «حزب الله» للرئاسة و«مباركته» لاسم الرئيس
يستشعر زائر طهران في هذه الأيام مدى الارتياح الإيراني للمسار الديبلوماسي القائم، سواء على خطّ التفاوض حول الملف النووي مع مجموعة الـ5+1 المنعقدة حالياً في جنيف، أو على خطّ تغيّر المزاج الخليجي، وخصوصاً السعودي، تجاه الأزمة السورية.
بدأت طهران ترصد قراءة سعودية أكثر هدوءاً وعقلانية تجاه الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من 3 أعوام.
ويبدو أن التواصل بين البلدين لا يزال محصوراً بالقنوات الديبلوماسية فحسب ولم يصلّ حدّ التفاهمات الحاسمة، لكنّ الإيرانيين متأكدون بأن مآل العلاقة مع السعودية سيكون إيجابياً، لأنّ نيات الحفاظ على الاستقرار الإقليمي راسخة لدى كل من طهران والرياض.
بين التفاوض الدولي حول «النووي» وبين تعقيدات الأزمة السورية، لا تضيّع طهران موقع لبنان المهمّ جداً بالنسبة اليها، أما بوصلتها السياسية فيه فتتمثل بـ«حزب الله».
«يقول مصدر إيرانيّ على علاقة وثيقة مع دوائر القرار السياسي لـ«السفير»: «لبنان مهمّ وأساسي بالنسبة الى إيران، ليس لتمرير سياساتها في المنطقة كما يقول البعض، بل كموقع أرادت أن تستغله إسرائيل وتوسّع نفوذها فيه فتصدّت لها إيران ومنعتها، وفرضت نفسها جزءاً أساسياً من المعادلة، وذلك بطبيعة الحال عبر حزب الله».
ويشير المصدر العالم بخفايا السياسة في طهران «لو قام المسيحيون مثلاً بهذا العمل المقاوم لكان أيّدهم الإيرانيون بالتأكيد، فلو أسس المسيحيون مقاومة على غرار حزب الله لكانوا نالوا حظوة إيرانية ربّما أكثر من حزب الله».
الثوابت الإيرانية في لبنان هي ثلاثة: الاستقرار، عدم إعطاء فرصة لإسرائيل لتجديد عدوانها، ومنع تمدّد الخطّ الأميركي المدافع عن إسرائيل في لبنان.
وتصف هذه الشخصية النظرة الإيرانية الى لبنان بأنها «خاصّة». بالنسبة الى إيران من المهمّ أن يبقى لبنان مستقرّاً وموحّداً، وهو البلد الوحيد الذي لا يمكن تقسيمه نظراً الى مساحته الجغرافية، والخلاف الداخلي اللبناني لا يريح طهران لأن وحدة اللبنانيين هي من ضمن الإستراتيجية الإيرانية «لأن التوحد الداخلي يمنع إسرائيل من الخرق».
بالنسبة الى «طبّاخي» السياسة الإيرانية فإن الجزء الأكبر من الموضوع الداخلي في لبنان يعود الى اللبنانيين أنفسهم، «ومن ميزة اللبنانيين أنهم حين يصلون الى نقطة فشل معينة يلقون باللائمة على الآخرين، أي إيران، على الرغم أنهم إذا اتفقوا على أي اسم فإنهم باستطاعتهم انتخابه فوراً، فلا فيتوات إيرانية على أحد، فإيران تعطي رأيها من خلال رؤية حزب الله وليس العكس»، بحسب تعبير هذه الشخصية التي تضيف: «بالنسبة الى الموضوع الإسرائيلي فقد دعمت إيران فكرة المقاومة ونجحت، أما المواضيع الداخلية الأخرى فالكلمة الفصل فيها لـحزب الله، وأبرز مثال أن الحزب طلب زيارة (رئيس الحكومة السابق) سعد الحريري الى طهران فرحبت إيران بالفكرة سريعاً، وليست إيران التي طلبت ذلك بل حزب الله».
بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي اللبناني «فإن كلّ الأسماء المارونية المطروحة لرئاسة الجمهورية يعرفها حزب الله ويتعاطى معها يومياً أكثر من إيران، وبالتالي فهو المعني الأول بمباركة وصول أية شخصية وليس إيران».
التفاهمات بين إيران والسعودية
لا ينفي المصدر الإيراني أن التفاهم السعودي ـ الإيراني المعلن مهمّ، «إذ أنه سيشجع قوى 14 آذار على تسهيل الأمور الداخلية ظنّاً منها بأن الضوء الأخضر أعطي للداخل اللبناني، لكنّ الأمور لا يجب أن تكون كذلك». يتابع: «إذا وجدت قناعة لدى حزب الله برئيس معين بالتوافق مع بقية القوى فلم لا يكون انتخاب؟ ما يهمّ إيران هو عدم الاستفراد بالقرار من فئة واحدة، أما غير ذلك فهي واقعية بالنسبة للبنان».
لا يمكن تحديد موعد حاسم لبدء الحوار الإيراني ـ السعودي المباشر، لكن بتقدير هذا المصدر الإيراني الواسع الإطلاع، فإنه لن يتعدّى الثلاثة أشهر على الأكثر، ولا علاقة للأمر بالمفاوضات الجارية بين إيران ودول مجموعة الـ5+1 وهو «تبرير سعودي لأي تقارب محتمل مع إيران». ثمة أجواء في المنطقة تتبلور في مسألة سوريا، على سبيل المثال لا الحصر، بسبب الوضع الميداني المستجد وبدء الأميركيين بالاعتراف به، وإن ليس علناً.
الإشارات الإيجابيّة الإيرانية ـ السعوديّة متبادلة، فوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل تحدث عن دعوة لنظيره محمد جواد ظريف، والإيرانيون رحبوا بها لكنهم قالوا إنها لم تصل خطياً عبر القنوات المعهودة، وهذا يعني في العقل الإيراني أن موضوع الدعوة يحتاج الى مقدّمات، وهو ليس مهمّاً بحدّ ذاته، بل يجب تحديد مواضيع النقاش بدقة وعناية، فالحوار القائم حالياً لا يتعدّى مستوى السفراء، أما أي حوار جدي ومباشر بين وزيري خارجية البلدين فيهدف الى إحداث فجوة في بعض القضايا المعقدة، مثل القضية السورية والسياسة الإقليمية والاتهامات التي يوجهها السعوديون لإيران. ثمة أسئلة عدّة يريد أن يطرحها الإيرانيون عن الأهداف التي تنشدها السعودية في المنطقة ومدى تأثرها بالسياسات الغربية، وعن المساهمة السعودية في تعزيز فكرة «إيران – فوبيا»، فإيران لا تريد سياسة «تبويس اللحى» مع السعودية بل تريد أن يكون الحوار جدياً عبر القنوات الديبلوماسية مقدّمة للزيارات المتبادلة وتعيين برنامج عمل كامل، ثم تحديد مستوى اللقاءات.
في الأسبوع الماضي زار أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إيران والتقى رئيس الجمهورية الإيرانية الشيخ حسن روحاني، وكان الكويتيون قد جاهروا مراراً أنهم مستعدّون لإجراء وساطة بين إيران والسعوديّة ولم يرفض الإيرانيون هذا الاقتراح. برأي الكويتيين أنه من العبث خلق الأزمات التي قد توصل الى حروب لا طائل منها، كما حصل بينه وبين العراق، من هنا التوافق مع إيران على ضرورة الاستقرار في المنطقة. وبالتالي لم يأت الأمير الكويتي كوسيط، بل كمسؤول حصل على المعلومات التي ترغب بمعرفتها دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، حول قضايا حيوية بالنسبة إليها بعد أن أخذ وجهة نظر الإيرانيين بها، وهو سينقل هذه المعلومات الى المعنيين بخلفية تفيد بأن الحوار ضروري حول سوريا وحول قضايا اقتصادية مشتركة، ولا تزال التجربة الحوارية مع تركيا ماثلة كنموذج لما يمكن أن تكون عليه العلاقة السعودية مع إيران.
ما يحصل حالياً هو بداية بزوغ قناعة في كل من إيران والسعوديّة مفادها أن لا مصلحة للسعودية في المواجهة مع إيران إذ أنها لن تستفيد شيئاً.. وفي المقابل لا مصلحة إيرانية في المواجهة مع السعودية لأنها أيضاً لن تكسبها شيئاً. هذا الواقع معطوف على تخوّف دولي من المواجهة بين الدولتين، إذ يؤثر على مصدرين أساسيين للنفط، يدفع الغرب الى تشجيع تطوير العلاقة بين البلدين، بحسب المصدر الإيراني الواسع الإطلاع.