Site icon IMLebanon

افتتاحية النهار

عاصفة اجتاحت الشارع والتشريع ولجمتها المليارات / الراعي لـ”النهار”: لرئيس توافقي لا يثير أزمة جديدة

نادراً ما عرف لبنان مشهداً مماثلا لاجتياح العاصفة المطلبية والاجتماعية والنقابية الشارع والساحات وحتى البحر، على غرار ما جرى امس، في استعادة لبعض “الانتفاضات” الاجتماعية والمطلبية ولكن من غير ان ترقى الى اسقاط حكومات.
مشهد غلب عليه ايقاظ كل ذي مطلب مزمن واشعل شرارة الازمات الاجتماعية على وقع الجلسات التشريعية التي يعقدها مجلس النواب للاسبوع الثاني تعاقباً مع استعدادات لتمديدها وعقد مزيد منها، على ما يبدو، في انتظار وضوح اتجاهات الاستحقاق الرئاسي المتباطئ بثقل لافت. وعلى هذا الوقع برزت الظاهرة الاكثر اثارة للغرابة التي تمثلت في “التشريع على الحامي” أي تحت ستار الضغوط المباشرة لمختلف الفئات التي نزلت الى الشارع والتي كان اكبر تجمعاتها امس تظاهرة هيئة التنسيق النقابية في ساحة رياض الصلح، فيما احتل متطوعو الدفاع المدني واجهة الصدارة النجومية باعتصامهم في الرملة البيضاء ونزول مجموعات منهم الى البحر للسباحة الى حين المصادقة على مشروع قانون تثبيتهم وكان لهم ما طالبوا به اذ صادق المجلس على المشروع.
وعلى رغم الاجواء الايجابية التي اشاعتها معالجات لمطالب محقة أُهملت طويلا مع غياب مديد للمجلس، لم تحجب التطورات المباشرة التي واكبت الانتفاضة الاجتماعية والمطلبية البعد السياسي التوظيفي لهذه الفورة في توقيت سياسي بالغ الحساسية. كما لم تحجب المخاوف المتعاظمة من اخضاع السلطة التشريعية للضغط والتشريع لانفاق بألوف المليارات من دون اقترانه بالتزامات اصلاحية تحد من اخطار الانهيار المالي والاقتصادي وتحافظ على الحدود الدنيا من التوازن بين الانفاق الهائل والواردات الشحيحة، الى جانب انتفاء اي آليات فعلية لمنع الهدر والفساد.
واذا كانت جلسة مجلس النواب امس انصفت متطوعي الدفاع المدني واقنعت فجأة هيئة التنسيق النقابية بهدنة الى الاثنين، في انتظار استكمال اقرار اللجان النيابية المشتركة سلسلة الرتب والرواتب مع ضمان تسوية مرضية قطعه لها رئيس المجلس نبيه بري، فان الوجه الآخر للمشهد برز مع التكاليف المالية التي احصتها “النهار” لحصيلة القوانين التي اقرت من دون احتساب ما اقر في جلستي أول من امس وامس ومن دون كلفة السلسلة اذ بلغت ما يقارب الـ 300 مليار ليرة.
وحتى ساعات المساء ناقش النواب سلسلة الرتب والرواتب، وبقي الرئيس بري في مجلس النواب يرصد آخر تطورات جلسة اللجان، وغاص النواب برئاسة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري في البحث عن مصادر التمويل.
وعلمت “النهار” أن من ابرز البنود التي ظلّت معلّقة، المادة المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة TVA، والتي تركت للهيئة العامة لبتها. أما أهم البنود التي اقرت، فهي فرض غرامة خمسة أضعاف على الاملاك البحرية، على ان تترك طريقة الاحتساب للهيئة العامة ايضاً.
وأقرت اللجان اقتراح وزير المال علي حسن خليل المتعلق برفع الضريبة على الفوائد المصرفية من 5 إلى 7%، بما يؤمن واردات بنحو 220 مليار ليرة، وفرضت كذلك فوائد بنسبة 5% على التوظيفات المصرفية، كما أقرت ضريبة على الشركات المالية المدرجة في بورصة بيروت بما نسبته 15% ويتوقع ان ترفد الخزينة بنحو 40 مليار ليرة.
بعد ذلك، أقرت اللجان المادة المتعلقة بالبناء الاخضر، وبذلك تكون انهت موارد التمويل، فوافقت على غالبية هذه الموارد كما وردت في تقرير اللجنة الفرعية، ومادة البناء الاخضر ستؤمن نحو 400 مليار ليرة، فيما بقي منها بند معلّق للهيئة العامة يتعلق باحتساب ثلاث سنوات الى الوراء، ويمكن عندها ان تؤمن زيادة مقدارها ألف مليار.
ويبقى امام اللجان باب الاصلاحات وما يمكن ان تدخله كنفقات، فضلا عن السلاسل والجداول، على ان تعود الى الاجتماع بعد ظهر اليوم.

المشنوق
ووصف وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ”النهار” ما تحقق امس في شأن مطالب متطوعي الدفاع المدني بأنه “رد جميل لهؤلاء الذين وقفوا مع لبنان في اصعب ظروفه على رغم الوضع المالي الصعب للخزينة”. وقال ردا على سؤال إنه “بناء على ما تقرر في آخر اجتماع أمني، سحبنا مئات من عناصر قوى الامن الداخلي ومعهم عشرات الضباط من القوى السيّارة من الشمال الى البقاع تمهيدا للبدء بتطبيق الخطة الامنية هناك. ويحتاج تحضير هذه القوة الى اسبوع على الاقل من اجل البدء بنشر الحواجز في منطقة الخطة الامنية بالبقاع، ممهدة للتطبيق الشامل لها”.

قهوجي
وشدد قائد الجيش العماد جان قهوجي، في كلمة القاها مساء في افتتاح المؤتمر الاقليمي الرابع الذي ينظمه مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية للجيش في فندق “مونرو”، على انه “على رغم التضحيات الكبرى التي نقدمها من خيرة ضباطنا وجنودنا، فنحن مستمرون في ملاحقة الارهابيين مهما كثرت تهديداتهم”. وقال ان “لبنان يعاني اليوم ارتدادات الاحداث في سوريا وازمة النازحين التي حذر الجيش من اللحظة الاولى من خطرها انسانياً واجتماعياً وامنياً، وخصوصا بعدما تخطى عدد النازحين المليون وهي تحتاج الى تضافر جميع الجهود لحلها”. وابرز التحديات التي يخوضها الجيش يوميا “ليفي بوعده بالحفاظ على لبنان موحدا سيدا حراً مستقلاً”.

الراعي
وفي سياق الاستحقاق الرئاسي، نقل مراسل “النهار” في جنيف موسى عاصي امس عن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مطالبته مجدداً الرئيس بري بفتح جلسات مجلس النواب ودعوة المجلس الى الانعقاد لينتخب رئيساً “والا لن تكون انتخابات”. وقال: “نحن لا ندعم شخصاً محدداً، إنما صفات عامة يجب ان تتوافر في المرشح للرئاسة”، ومن هذه الصفات “ان يكون قوياً بأخلاقه وتجرده وتاريخه وإيمانه بالدولة اللبنانية وعلاقاته الاقليمية والعربية والدولية ليتمكن من استعادة دور المؤسسات وادارة البلاد في هذا الوقت العصيب”.
وعن ترشح كل من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والعماد ميشال عون واحتمال فوز أحدهما، قال الراعي: “استبعد انتخاب رئيس محسوب على 14 او 8 آذار، لأن على الرئيس ان يكون توافقياً مقبولاً من الشعب ليتمكن من جمع كل الأطراف المتناحرين أصلاً في لبنان لا أن يثير أزمة جديدة”.
وأبلغ الراعي “النهار” أنه “طالب كل من التقاهم في جنيف لإيجاد حل سريع وناجع للاجئين السوريين في لبنان، من طريق انشاء مخيمات لجوء خاصة بهم في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا”. واعتبر ان الوضع الحالي “غير مقبول، ويعود بالضرر على اللبنانيين الذين استقبلوا السوريين من غير ان يفرضوا عليهم اي مستحقات او طلبات”.
وعلمت “النهار” من مصادر ديبلوماسية ان سفراء الدول الكبرى المعتمدين في لبنان سيبدأون تحركا في اتجاه من يعتبرونهم مرشحين جديين للرئاسة الاولى لاستطلاع آرائهم في القضايا الاساسية في لبنان والمنطقة.
وامس استقبل وزير العمل سجعان قزي سفير فرنسا في لبنان باتريس باولي الذي أكد، كما علمت “النهار”، ان بلاده لن تتدخل في تفاصيل الاستحقاق الرئاسي، لكنها حريصة على حصول الانتخابات وستؤازرها من خلال علاقات فرنسا العربية والدولية ومع مختلف الاطراف المحليين. واوضح ان باريس تفضل اجراء هذه الانتخابات خارج تعديل الدستور ولكن في الوقت نفسه ترفض الفراغ في سدة الرئاسة الاولى.
وعلمت “النهار” ان مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط ايمانويل بون وصل مساء أمس الى بيروت في اطار مهمة يجري خلالها مشاورات واتصالات ولقاءات تتصل بالاستحقاق الرئاسي.