إذا كان الأوكرانيون ينتظرون المساعدة من باراك أوباما ليمنع فلاديمير بوتين من توغل قواته داخل بلادهم، فالأرجح أنهم سينتظرون طويلاً، مثلما انتظر السوريون أن يهبّ أوباما لنجدتهم بعد أن وعدهم بأن لا مكان في هذا العصر لحاكم يقتل شعبه كما يفعل بشار الأسد.
أوباما يفضل أن لا يضع العربة قبل الحصان، كما قال في آخر «حكمة» أطلقها في مؤتمره الصحافي الأخير. أي أنه يفضل التريث على التسرع عند اتخاذ القرار. لكن المشكلة أنه بانتظار القرار الذي لا يأتي تتقدم كل الأحصنة وتسبق عربة الرئيس، من الحصان الروسي إلى الحصان «الداعشي». وإذا استمرت الأمور على هذه الحال بانتظار نهاية ولاية أوباما بعد سنتين فمن الصعب تقدير مدى الضرر الذي سيلحق بالتوازن في العلاقات الدولية، ولا بالخراب الذي سيحل بالمنطقة العربية مع تقدم قوى التطرف على حساب استقرار الأنظمة وأمن الشعوب.
لعلّي أسمع من يقول: ولماذا يجب أن تكون الولايات المتحدة مسؤولة عن حل مشكلات العالم وعن تسوية أزماته؟ وهو اعتراض نسمعه تكراراً من مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين يقولون: لا تتوقف شعوبكم عن انتقاد سياسات أميركا والاحتجاج على دورها كشرطي للعالم، ثم نجدكم تبحثون عن نجدة أميركا عند أول أزمة تواجهها بلدانكم!
صحيح أنه ليس مطلوباً من الولايات المتحدة أن تحل مشكلات العالم، كما أن تسوية الأزمتين السورية والعراقية، والأزمة الأوكرانية، هي من مسؤولية هذه الدول، وبالتالي فان عليها البحث عن حلول لمشاكلها الداخلية. لكن الضروري أيضاً، وقبل ذلك، أن تنطبق هذه المعادلة على كل تدخل خارجي في أية أزمة دولية، وليس على التدخل الأميركي وحده. ذلك أن مسؤولية الولايات المتحدة تصبح مضاعفة عندما يكون التدخل الروسي مثلاً هو الذي يلعب الدور الحاسم في الأزمة الأوكرانية، كما أن هذا التدخل، مضافاً إليه تدخل إيران، هما اللذان لعبا وما زالا، دوراً حاسماً في إطالة أمد الأزمة السورية وفي إغراق العراق في الحرب الطائفية. وفي الحالتين انتهى الأمر بهزيمة أصوات الاعتدال بين كل الطوائف وارتفاع حدة الصراع المذهبي، وصولاً إلى الحالة الإرهابية التي يفرضها «داعش» اليوم في مناطق نفوذه.
وعلى رغم تفاقم هذا الخطر الإرهابي، الذي بات مقلقاً للدول الغربية نفسها، كما ظهر من خلال رفع مستوى التأهب الأمني في بريطانيا بالأمس، فلا شيء يشير إلى أن هناك خطة بديلة لدى إدارة أوباما للتعامل مع هذا الوضع. صحيح أنه أمر بغارات جوية على مواقع «داعش» في العراق، وبعملية واحدة، على الأقل ضد التنظيم في سورية، سجلها نظام الأسد في خانة مصلحته، لكن أوباما اعترف أنه لا توجد لديه استراتيجية حتى الآن لمواجهة «داعش»، وأنه طلب من وزير الدفاع تشاك هاغل إعداد خيارات عسكرية لبحثها واتخاذ قرار في شأنها.
في سورية، كما في العراق وأوكرانيا، لا يساهم الفراغ الناشئ عن تردد أوباما وعجزه، سوى في تفاقم الوضع. وهو ما يدفع حلفاء الولايات المتحدة إلى التردد في التعامل معها. في أوروبا، لا توجد ثقة كبيرة في قدرة الإدارة الأميركية على مواجهة الروس في الأزمة الأوكرانية. وبينما يرى مسؤولون في هذه الإدارة الخطر الناجم عن المغامرة الأخيرة للقوات الروسية داخل أوكرانيا، يعتبر أوباما أن «ما شاهدناه هذا الأسبوع لا يختلف عما حصل خلال الأشهر الماضية». ولكن السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامانثا باور، وعلى عكس رئيسها، اتهمت موسكو بالكذب عندما نفت تقدم قواتها في أوكرانيا، وقالت إن تصرف روسيا «يشكل تهديداً لنا جميعاً في سلامنا وأمننا».
أما في الشرق الأوسط، وعلى رغم قرار أوباما إرسال وزير الخارجية جون كيري إلى المنطقة لتنسيق المواقف مع الحلفاء الراغبين في مواجهة «داعش»، فليس هناك ما يشير إلى أن هناك ثقة كبيرة لدى هذه الدول في أي سياسة أميركية حكيمة وفاعلة تسمح بدفع خطر هذا التنظيم الإرهابي، وذلك بناء على الخيبات من سياسات أوباما الفاشلة في سورية والعراق. على العكس تشعر هذه الدول أن التوعية السياسية والدينية لشعوبها والتعاون بين أجهزتها الأمنية سوف يكونان أكثر فاعلية في مواجهة المد «الداعشي» من الاعتماد على العربة الأميركية بقيادة أوباما، التي أثبتت أنها عربة معطلة، فيما الأحصنة تصل إلى نهاية السباق بلا حواجز.