Site icon IMLebanon

عرسال.. معركة وطن وكيان

عرسال، البلدة المناضلة، لا تستحق مثل هذه المعاملة الغادرة من المسلحين السوريين.

عرسال الصامدة أمام شتى الضغوطات الأمنية والاجتماعية والمعيشية، كانت، وما زالت، السند الأساسي للجوار السوري في مأساته الوطنية.

فتحت البلدة الصابرة ذراعيها لتحتضن عشرات الألوف من النازحين السوريين، شارك أهلها الطيبون بشظف عيشهم، وفقرهم المعروف، الوافدين إليهم من دون منّة أو جميل، وأقاموا لهم المخيّمات في طول البلدة وعرضها، وأطلقوا لهم حرية التحرّك والعمل، وتساهلوا أمام ما تعرّضوا له من مضاربات ومضايقات في لقمة عيشهم.

تعاطف عرسال مع أخوة الجوار، لم يُخرجها من ولائها للوطن، ولم ينل من تمسكها بالشرعية الأمنية، ولم تفرّط في علاقتها العضوية، والمتفاعلة مع الجيش الوطني والقوى الأمنية الأخرى، حيث تفخر المئات من عائلات عرسال بانضمام أبنائها إلى المؤسسة العسكرية وقوى الأمن الداخلي، وحيث لم يبخل شباب البلدة الصامدة بأرواحهم ودمائهم، دفاعاً عن سيادة الوطن وكرامته.

وكان من الطبيعي أن يعتبر أهالي عرسال وشبابها الأشاوس أن الاعتداء على الجيش وقوى الأمن هو اعتداء على كرامة وشرف كل واحد منهم، فهبّوا جميعاً للدفاع عن الجيش والعناصر الأمنية في فصيلة عرسال، ورفعوا شعار الالتفاف حول الجيش.

 * * *

وقفة أهالي عرسال المجيدة كانت المسمار الأوّل في نعش الفتنة، التي حاول المسلحون الغرباء تفجيرها بين الجيش وأهله في عرسال، بحجة تحيّز الجيش في تدابيره لمنع تسلل المسلحين والمطلوبين، والتي أدت إلى توقيف أحد المشبوهين.

ردّة فعل المجموعات المسلحة اتخذت طابعاً عدوانياً سافراً، لم يُراعِ تضحيات العرساليين، ولم يأخذ بعين الاعتبار هذا التلاحم القوي بين العائلات العرسالية والجيش وقوى الأمن.

كما أن وجود أكثر من مائة وثلاثين ألف نازح سوري في مخيمات عرسال، لم يردع تلك المجموعات عن القيام بمثل هذه المغامرة الخطرة، فكان أن احترق العديد من المخيمات، وتشرّدت الآلاف من العائلات السورية بعدما وجدت نفسها في العراء من جديد، وسقط العشرات من الأطفال والنساء ضحايا القصف المسلح العشوائي بين قتيل وجريح.

 * * *

الهجوم الإرهابي على عرسال هو استهداف لأمن كل مدينة، وكل قرية، وكل شبر من الأرض اللبنانية، والاعتداء على الجيش والقوى الأمنية، هو عدوان على كل لبناني، مهما كانت طائفته، ومهما اختلفت انتماءاته الحزبية أو المناطقية.

والمعركة التي يخوضها جيشنا على تخوم عرسال، هي معركة الوطن كلّه، بكل الرموز والمفاهيم التي تقوم عليها الجمهورية: من صيغة العيش الواحد والشراكة بين اللبنانيين، إلى النظام الديمقراطي التعددي، إلى الحريات، قدس الأقداس، الدينية منها والفكرية، والثقافية والاجتماعية والاقتصادية!

وكما انتصر لبنان، الدولة والشرعية، على الجماعة الإرهابية في مخيم نهر البارد، سينتصر أيضاً على هذه الهجمة الظلامية، مهما بلغت التضحيات.

 * * *

وقوف اللبنانيين صفاً واحداً إلى جانب الجيش والمؤسسات الأمنية، لا يكفي وحده، إذا بقيت الأجواء السياسية على وضعها الحالي من الخلافات والانقسامات، التي أَنهكت البلاد والعباد، وأوصلت الجميع إلى مأزق الطريق المسدود! إن استمرار المراوحة الحالية في دوّامة التعطيل والعجز والشلل، ستؤدي إلى إلحاق المزيد من الضرر في بنيان الدولة وهيبتها، وإلى إضعاف الشرعية وأجهزتها المختلفة.

ما كان يمكن أن يستمر قبل عرسال، لا يجوز السكوت عنه، أو حتى التساهل معه، بعد وصول الخطر الإرهابي المدلهم إلى الداخل اللبناني.

هذا الخطر لا يُهدّد بلدة وحدها، أو منطقة بعينها، ولا يستهدف جماعة معينة، أو فئة أو حزباً سياسياً محدداً، بقدر ما يُشكّل تهديداً صاعقاً للجميع، والتصدّي له يتطلب مغادرة الأطراف السياسية لمتاريس الصراعات والتنافسات الحالية، إلى ساحات الحوار والوفاق، للوقوف جبهة متراصة أمام هذا الخطر الذي يحدث بالوطن والكيان.

 * * *

في لبنان، لا بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابية والمتطرّفة في البلد، ولكن مناخات الخلاف والانقسام السياسي والطائفي والمذهبي، تساعد كثيراً على إيجاد البيئة المناسبة، لتسلل هذه التنظيمات إلى الداخل اللبناني… على نحو ما يحصل في سوريا والعراق، وصولاً إلى اليمن!