بعيداً من كل المعطيات السياسية المعقدة والمتناقضة والتي تتداخل فيها المزايدات حيال مسألة التفاوض لإطلاق الرهائن من العسكريين لدى التنظيمات الارهابية بالوقائع الشديدة الضغط على الحكومة لتوحيد موقفها من هذا المأزق العصيب، بدت عكار امس بكل مناطقها وفئاتها وطوائفها كأنها توجه الرسالة المدوية المزدوجة الى السياسيين من جهة والى الارهابيين من جهة مقابلة. ذلك ان تشييع ابن فنيدق الرقيب الشهيد علي السيد الذي قضى ذبحاً على يد تنظيم “الدولة الاسلامية”، تحول تظاهرة وطنية كبيرة وحاشدة اكتسبت رمزية ودلالة بالغتي الاهمية لجهة التأكيد ان عكار المفجوعة بشهيدها هي خزان الجيش وحاضنته بدليل الالتفاف الشامل حول ذوي الشهيد ورفع رايات الجيش والاعلام اللبنانية وحدها من دون أي رايات أخرى.
ومع ان المأتم الحاشد الذي عكس عمق الصدمة التي أحدثتها الجريمة الوحشية، بدا بمثابة الرد العفوي على الارهابيين، فان ذلك لم يحجب في المقابل المخاوف المتعاظمة على العسكريين المخطوفين لدى “جبهة النصرة” و”داعش” ولو في ظل ما تردد عن “تمديد” مهل التهديدات التي يطلقها كل منهما بتصفية مزيد من هؤلاء.
وعلمت “النهار” أن خلية الازمة التي تتولى موضوع المخطوفين العسكريين برئاسة رئيس الوزراء تمام سلام وعضوية الوزراء سمير مقبل ونهاد المشنوق وأشرف ريفي تمضي في عملها وسط توقعات لحصول نتائج في وقت قريب بالتزامن مع تحرك جدي لقطر واتصالات يجريها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم بعيدا من الاضواء. ولفتت مصادر مواكبة الى ان هناك تخوفا مستمرا من حصول طوارئ تعطّل الجهود على غرار ما حصل في الماضي عندما كان ثمة احتمال للافراج عن عسكريين اثنين، لكن الخطوة أرجئت في اللحظة الاخيرة.
ومن المتوقع ان يشكل موضوع التفاوض في شأن اطلاق الرهائن من العسكريين المادة الساخنة في مناقشات مجلس الوزراء في جلسته اليوم وسط أجواء مشدودة يصعب في ظلها التكهن بما ستؤول اليه. ذلك ان الايام الاخيرة شهدت تظهيرا للمواقف المتناقضة وخصوصا لجهة تعمد قوى 8 آذار اطلاق حملة عنوانها رفض المقايضة بما بدا من خلالها كأنها استهدفت احراج الرئيس سلام الذي يتولى مع خلية الازمة معالجة هذه القضية. ومن غير المستبعد ان تشكل الجلسة اختبارا مفصليا للوضع الحكومي الذي يبدو أمام مأزق الرهائن من العسكريين في لحظات حاسمة تستدعي التماسك والتوافق السريع على القرار الرسمي الموحد وعدم تعريض الخاصرة الرخوة للحكومة لمزيد من الانكشاف فيما تستغل التنظيمات الارهابية نفسها الانقسام الداخلي بممارسة الضغط ذي الالوان المذهبية الفاقعة لإثارة الفتنة وليس أدل على ذلك من تصنيفها للعسكريين الرهائن بصفاتهم الطائفية والمذهبية لا العسكرية. كما ان الجانب الآخر الضاغط بقوة على الحكومة يتمثل في تصعيد أهالي الرهائن لتحركاتهم وخصوصا بعد الصدمة الهائلة التي أثارتها جريمة تصفية الرقيب السيد.
المشنوق: مزايدات
وعشية الجلسة، وردا على سؤال عن الواقع الحكومي وتطورات عرسال والشلل في مجلس النواب، قال وزير البيئة محمد المشنوق لـ”النهار”: “مع الأسف، إن ما نراه من وحدة موقف داخل مجلس الوزراء بين جميع الاطراف لا يعكس المواقف السياسية خارجه. لا بل ان ما نسمعه من مزايدات وخطاب سياسي متشنج يبرز نوعا من انفصام الشخصية لدى هذه القوى السياسية. إن مجلس الوزراء حريص على أن يكون مجلس النواب فاعلا، وتصريحات وزراء الكتل واضحة وترد كاملا في هذا السياق. ولكن هل هذا هو الواقع السياسي في مجلس النواب؟ وفي الوقت نفسه، ما نراه من دعم لرئيس الحكومة وبالاجماع داخل مجلس الوزراء لا ينعكس بالضرورة في الخطاب السياسي للقوى السياسية نفسها في وسائل الاعلام، حتى برز في الفترة الاخيرة خطاب لمجلس الوزراء في المناسبات الرسمية فيما برز خطاب آخر نقيض له في وسائل الاعلام التابعة لهذه القوى وهذا ما لا ينسجم مع ما تتطلبه المعالجات وخصوصا في المسائل الدقيقة مثل معالجة موضوع المختطفين من جيش وقوى أمن، وأيضا معالجة القضايا الحيوية مثل موضوع الكهرباء ومحنة العاصمة على هذا الصعيد وشلل مجلس النواب في التشريع المالي الذي بات ينذر بالخطر. إن مجلس الوزراء الذي ينعقد (اليوم) يعيش هذه الاجواء ورئيس الحكومة يشعر بضيق كبير من هذه الازدواجية في المواقف السياسية في الوقت الذي يسعى فيه الى التعجيل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية ويحرص على متابعة جميع الملفات في توازن يستهدف المصلحة الوطنية فقط”.
قزي
وفي السياق نفسه، قال وزير العمل سجعان قزي لـ”النهار” في إطار ملف العسكريين المخطوفين: “المزايدات مرفوضة، ولا أحد يزايد على الرئيس سلام الذي أعلن منذ اليوم الاول رفضه المقايضة بين جنود أبرياء ومجرمين. وقد لاحظنا أن بعض الاطراف، على رغم تمثله في الحكومة، لا يأخذ في الاعتبار هذا الواقع الامر الذي نرفضه وسنطالب بموقف موحد للحكومة دعما للرئيس سلام، إذ لا يجوز ترك الرئيس سلام يمضي في تحمل مسؤولياته فيما نرى البقية تتفرج، ولا بد من العودة الى واقع التضامن الوزاري الذي تجلّى سابقا بأبهى صوره”.
وتوقعت مصادر وزارية أن تطول جلسة مجلس الوزراء اليوم نظرا الى تخصيص وقت للتقارير الامنية على كل المستويات إضافة الى البحث في جدول أعمال من 47 بندا بينها سبعة بنود قد تأخذ حيزا من النقاش لأنها تتعلق بعقود ومشاريع.