Site icon IMLebanon

على «ذمة» حزب الله.. الشغور باقِ باقِ باقِ

 

يصعب على أي مسؤول سياسي مهما علا شأنه، أو أي قارئ للأحداث التكهّن بفترة الشغور في موقع الرئاسة الأولى. ذلك أن حلّ عقدة هذا الاستحقاق لم تكن بيد القيادات اللبنانية قبل الشغور، فكيف بالأحرى بعده؟ هي الآن باتت بمجملها في متناول اللاعبين الإقليميين، ورهينة ملفات كبرى تبدأ بسوريا وتمرّ بالعراق والملف النووي الإيراني، وربما لا تنتهي بالأزمة الأوكرانية وتداعياتها الدولية.

ليس ثمة ما يشي بانفراجات قريبة، أو ما يؤشر الى صفقات إقليمية ـ دولية، يخرج من رحمها حلّ أزمة الفراغ. موازين القوى في الصراع الإقليمي تكاد تكون متقاربة الى حدّ كبير. فالحلف الذي يمتد من إيران الى العراق ويمّر بسوريا ليصل الى لبنان عبر «حزب الله»، ليس في وارد تقديم تنازلات سياسية، لا شيء يدعوه الى التنازل ما دام يحقق مكاسب عسكرية. هذه المكاسب ليست حصيلة معارك سوريا فحسب، إنما هي تراكمية منذ العام 2008 وحتى الآن، وهي:

أولاً: إن «حزب الله» المستفيد من تبريد جبهة الجنوب بإرادته الذاتية ومشيئة حلف الممانعة العريض، نظراً الى تبدل الأولويات الجهادية، نجح في الحسم العسكري في لبنان منذ السابع في أيار 2008، وحصد نتائج سياسية لهذا الحسم بالإمساك بـ«الفيتو» المعطّل لكل القرارات السيادية، بدءاً باتفاق الدوحة مروراً بالإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري بقوة السلاح وفرض حكومة اللون الواحد الميقاتية، وصولاً الى انتزاع موافقة داخلية وإقليمية على وجوده في الحكومة الحالية، وعدم تقديم أي تنازل بما خصّ انخراطه في الحرب السورية، واستمراره في حصد «حسم جولات عسكرية» في سوريا، أقلّه في جبهتَي ريف دمشق وريف حمص الغربيتين قبل بلورة أي حلّ إقليمي.

ثانياً: لقد حقق حلف الممانعة مكاسب سياسية لا يمكن القفز فوقها، عبر نتائج الانتخابات العراقية التي أفرزت أكثرية موالية لإيران، قادرة على تجديد حكم نوري المالكي لولاية جديدة، رغم كل الاعتراضات الداخلية التي تواجهه، واستطاع تنظيم انتخابات وإن صورية، أعادت تجديد ولاية بشار الأسد للمرة الثالثة وإن على جثث وأشلاء 200 ألف سوري، ودمار مدن وقرى بكاملها، ومحاولة استثمار هذا «الفوز» في أية صفقة دولية، تأخذ هذه التطورات في الاعتبار.

ثالثاً: لا تزال إيران تملك نَفَساً طويلاً في ممارسة لعبة القط والفأر (Tom and Jerry) مع دول الـ5+1 في ملفها النووي، وهي أقلّه نجحت حتى الآن في الاستفادة من اللعب على عامل الوقت، واكتساب المهلة تلو الأخرى بأقل قدر ممكن من الوعود لا التنازلات، وبالتالي هي ليست مستعجلة في إبرام اتفاقية مع الغرب بأي ثمن، طالما أن الثمن الذي تبحث عنه، وهو تقاسم النفوذ مع إسرائيل في المنطقة، لم تتقاضاه بعد.

هذا في محور الممانعة.. أما في المقلب الآخر، فإن التحالف الإقليمي الذي يضمّ المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي والمملكة الأردنية الهاشمية المتضرر من أي اتفاق نووي إيراني ـ غربي، ومعه فريق 14 آذار في لبنان، لا يجد نفسه مهزوماً حتى يُسارع الى تسليم أوراقه للحلف العسكري «الدموي» في المنطقة، وهو على ما يبدو متأهب لمواجهة سياسية كبيرة قد تستغرق أشهراً طويلة، إن لم يكن سنوات، انطلاقاً من الاعتبارات التالية:

أولاً: في الداخل اللبناني، صحيح أن فريق 14 آذار المراهن على الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، يقرّ بهزيمته أمام «حزب الله» الذي يفرض سيطرته على القرار الوطني تارة باستعمال سلاحة وتارة أخرى بالتهديد به، والتلويح بهدم بنيان الدولة، لم ولن يسلّم بخسارة سياسية على الإطلاق. فهو مصمم على المواجهة بالموقف وقوة المنطق، وإذا كان قد قَبِل المساكنة الاضطرارية في حكومة «ربط نزاع» مع «حزب الله» وامتداداته الإقليمية، فإن «المحور الممانع» لم يفلح حتى الآن في انتزاع غطاء سياسي لا لقتاله في سوريا تحت شعارات مواجهة الإرهاب التكفيري الواهية، ولا في شرعنة هيمنة السلاح على القرار اللبناني، وهو ما يشكل مصدر قلق دائم للحزب حتى إشعار آخر.

ثانياً: إن تقدم المفاوضات الإيرانية ـ الغربية الذي هلل له هذا المحور، لم ينجح في عزل المملكة العربية السعودية وتطويقها مع دول الخليج العربي، إنما جاءت نتائجه عكسية، إذ سرعان ما تنبّهت الولايات المتحدة الى الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية لأي انزلاقة غير محسوبة، تجعل الرياض والخليج العربي دولاً محاصرة بالنفوذ الإيراني، وهذا ما دفع بالإدارة الأميركية الى توضيح موقفها للقيادة السعودية حيال المفاوضات مع إيران، وما حدا بدول الاتحاد الأوروبي النافذة وفي مقدمها فرنسا وبريطانيا وألمانيا الى صياغة تفاهمات استراتيجية اقتصادية وعسكرية جديدة مع المملكة.

ثالثاً: إن النتائج التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية المصرية، وأوصلت المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً قوياً لجمهورية مصر العربية، ومسارعة السعودية الى إعلان دعم مصر مادياً لتعود دولة قوية ومؤثرة في المنطقة، هذا كله يؤسس لتحالف قوي تنضوي فيه السعودية ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن، يكون قادراً على مواجهة خطرين كبيرين في آن: الخطر الإسرائيلي من جهة والخطر الإيراني وملحقاته من جهة ثانية.

هذا التوازن الداخلي والإقليمي يكفي للإشارة الى أن ملف الرئاسة اللبنانية سيبقى رهينة عاملين أساسيين، الأول إمكانية الاستفادة من جو إقليمي ـ دولي مؤاتٍ ينتج عنه تفاهم على رئيس يدير الأزمة في هذه المرحلة القاتمة، وإحباط مخطط «حزب الله» لاحتلال قصر بعبدا عبر استيلاد رئيس على شاكلة إميل لحود. والثاني البقاء رهن ما ستؤول اليه التطورات العسكرية في سوريا، والمفاوضات الإيرانية – الغربية، وهذا ما يتطلب انتظاراً سيدوم لأشهر طويلة إن لم يكن لسنوات، الا إذا تبدلت المعادلة الميدانية على الأرض السورية وقلبت الموازين رأساً على عقب.