Site icon IMLebanon

«على عاتق المسيحيين»!

  

“هذا الاستحقاق [الرئاسي] يقع على عاتق المسيحيين في الدرجة الأولى، ومسؤوليتهم الكبيرة تجاه بلدهم (…) هذا الموقع الرئاسي يخص الطائفة المسيحية بالدرجة الاولى”، هذا الكلام قاله بالأمس من بكركي سفير المملكة العربية السعودية علي عواض العسيري، وهذا كلام حقّ ولكن؛ تُدرك المملكة العربيّة السعوديّة قبل غيرها من أي دول العالم، أنّ الانقسام اللبناني عمره من عمر لبنان، سواءً اتّخذ في مرحلة صيغة انقسام مسيحي ـ إسلامي، أو صيغة انقسام إسلامي ـ إسلامي، أو صيغة انقسام مسيحي ـ مسيحي، لبنان لا يقوم إلا على الانقسامات و”التوافق الوطني” غالباً ما يكون لحظة عابرة ومؤقتة!!

وحتى نكون صادقين مع أنفسنا ومع القارئ، عمر الانقسام المسيحي من عمر الكنيسة، منذ النساطرة واليعاقبة والصراع على “طبيعة المسيح”، وعمر الانقسام الإسلامي بدأ منذ لحظة ردّة قبائل عدّة عن الإسلام مع إعلان وفاة نبيّ الإسلام، ونظرة على تاريخ الإسلام والصراعات الدموية التي تخللت تاريخ المسلمين وتفرّقهم مذاهب وطوائف، ونظرة على تاريخ المسيحيّة والصراعات الدمويّة التي تخللت تاريخ الكنيسة وانقساماتها إلى مذاهب وطوائف، تؤكد أن الانقسام هو الحال فيما الجوهر والأصل هو الوحدة مع حفظ التنوع والاختلاف.

بل نظرة على تاريخ القدس التي يستعدّ البطريرك بشارة الراعي لزيارتها تجعلنا نتوقف مليّاً أمام هذا الانقسام المسيحي الديني “المروّع” والذي يمتد من “مفتاح” كنيسة القيامة إلى اختلافهم “الكارثي” السياسي في لبنان، فكنيسة القيامة، التي بنتها الملكة هيلانة والدة الملك قسطنطين عام 330 ميلادية، وتضم عددا كبيرا من المقدسات المسيحية، مثل القبر المقدس، والمغارة التي عثرت فيها الملكة هيلانة على صليب المسيح ، فمنذ أن فتح صلاح الدين الأيوبي القدس عام 1187م ومفاتيح تلك الكنيسة تحملها عائلة مسلمة هي عائلة جودة، بينما يقوم على مهمة فتح باب الكنيسة بشكل يومي عائلة مسلمة أخرى هي عائلة نسيبة”، أما عند المذاهب الإسلامية فبينها ما صنع الحداد، ونظرة على كتب السُنّة والشيعة تجعل القارئ يُدرك أن ما بين الطرفين هو أبعد ما يكون عن كذبة يروّج لها من حين لآخر تحت عنوان “التقارب بين المذاهب”!!

كلام السفير السعودي يُلقي بتبعة شغور الرئاسة الأولى وهي أهم موقع مسيحي يمثل مسيحيي لبنان ومسيحيي الشرق العربي على عاتق المسيحيين أنفسهم، متجاوزاً بكلامه أنّ هذا الواقع يتحمّل العرب مجتمعين تبعات شغوره، فواجب هذا المحيط العربي حماية مسيحيي لبنان، فمن دون وجودهم العالم العربي هذا صحراء مقفرة، ونظرة على حركة الترجمة والعلوم وكلّ ما بنته الحضارة الإسلاميّة تدفعنا للإعتراف بفضل المسيحيين المشرقيين على الحضارة الإسلاميّة…

“بدك ما تواخذنا” سعادة السفير ثلاثون عاماً وقفتم إلى جانب لبنان بالدعم المالي والاقتصادي والسياحي، ولكن من ناحية أخرى دفع لبنان نيابة عنكم وعن العرب جميعاً ثمن اللجوء الفلسطيني وتمويلكم لاحقاً للمنظمات الفلسطينية ليبقى الشر في لبنان وبعيداً عن دياركم، اشترى العرب راحة “دماغهم” بتدمير الشعب اللبناني، ثم جعلتمونا ندفع ثمن مشاركة 100 جندي سوري في عاصفة الصحراء بأن قدّمتم لبنان على طبق من ذهب وتركتمونا لقمة سائغة للنظام السوري، ثمّ ها نحن ندفع ثمن “غيبوبة” عربية دامت ثلاثين عاماً عن المشروع الإيراني للمنطقة، وعندما استيقظ العرب كانت إيران قد أصبحت في عقر داركم!!

سامحونا أيها العرب، فالانقسام الذي يعيشه اللبنانيون، والتهديد المستمر لمنصب الرئاسة الأولى سببه ببساطة غضكم البصر عن أطماع سوريا في لبنان منذ حمل انقلاب حافظ الأسد إلى سدة الرئاسة، وسامحنا يا سعادة السفير إذ قلت: “المملكة العربية السعودية تدعم أي توافق لبناني لبناني”، نفس الجملة لطالما سمعها اللبنانيون وعلى مدى ثلاثين عاماً من جمال عبد الناصر ثم ياسر عرفات ثم حافظ الأسد ثم بشار الأسد، وأنتم ضربتمونا وقسمتمونا، منذ ألقيتم على كاهل لبنان عبء القضية الفلسطينيّة وحتى اليوم.. لا.. المسيحيّون لا يقع على عاتقهم وحدهم مهمة انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي، بل هذا أمر يقع أولا وأخيراً على كاهل العالم العربي!!