Site icon IMLebanon

عندما يستعرض النظام ضحايا… الانتخاب

نجح النظام السوري في صناعة مشهد مؤيد له في لبنان، من خلال حشد عمال ونازحين سوريين، وبمساعدةٍ مفضوحة من القوى اللبنانية المؤيدة له، وعلى رأسها «حزب الله». لم يكن النظام بحاجة إلا إلى مشهدية الاحتشاد أمام السفارة وفي الطرق المؤدية إليها، ليقول للعالم إن الشعب السوري يؤيده في «حربه على الإرهاب»، لأن كل من له أدنى معرفة بالقواعد الانتخابية، يدرك أن ما جرى لم يكن إلا تظاهرات تأييد تشبه تلك التي ينظمها في سوريا، مجبِراً الناس على النزول إلى الشارع، وهو ما جرى بالضبط، ولكن بتنفيذ من القوى المؤيدة له في لبنان، إن لجهة تخويف السوريين من عواقب عدم تسجيل أسمائهم للانتخاب في السفارة، أو لجهة التواصل وحشد الناس ونقلهم بالحافلات.

في واقع الحال، فإن هذه المشهدية -والمشاهد المتوقعة بعد أيام في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا-، هي رسالة سياسية أكثر منها عملية انتخابية، لأن الانتخابات السورية فاقدة للمصداقية قبل الثورة فكيف بعدها؟! ومشهد حشد العمال السوريين في لبنان لمبايعة «القائد الخالد» ليس جديداً على المتابعين، الذين يدركون -كما يدرك السوريون- أن الإرادة الشعبية لا قيمة لها، وأن عواقب مقاومة مظاهر التأييد المفروضة مكلفة لدرجة دفعت السوريين إلى اتقاء شر النظام بالتقية، وهو ما أعاد «حزب الله» إنتاجه في لبنان، بعدما شعر السوريون، لفترة غير طويلة من الزمن، بأن جدار الخوف قد هُدم.

وبعيداً عن المظاهر المضحكة والمهينة لحشد يوم الأربعاء الماضي، فإن لهذا الحدث دلالته:

أولاً: لقد كشف احتشاد عشرات ألوف السوريين أمام سفارة النظام، مدى اختلال المعايير في لبنان، ففي حين تجرأ مؤيدو بشار الأسد على الاحتشاد، واحتلال الشوارع، واستفزاز اللبنانيين (غير المؤيدين للنظام)، رغم تحذير وزارة الداخلية من أي تحركات من هذا النوع، فإن معارضي النظام لم يتجرأوا في السابق على فعل شيء مماثل، حتى عندما كان التعاطف الشعبي معهم في أوجه، ومرد ذلك إلى شعور المؤيدين بأنهم محميون من قوى الأمر الواقع في لبنان، وشعور المعارضين بأنهم مضطهدون من القوى نفسها كما لو كانوا في سوريا.

ثانياً: لا تنفي مشهدية 28 أيار أن نحو 90% من النازحين السوريين في لبنان يعارضون النظام السوري، وأنهم هربوا إلى لبنان جراء بطشه، ذلك أن الذين سيقوا إلى سفارة بلادهم، لم يفعلوا ذلك تأييداً فعلياً منهم للنظام، وإنما خوفاً من تحذيرات، أو حتى من أوهام زرعت في رؤوسهم (مصير عوائلهم، أو المنع من العودة إلى بلادهم، أو عدم تجديد أوراقهم، أو طردهم من الأماكن التي يسيطر عليها مؤيدو النظام…)، لكن الرسالة التي أراد النظام السوري إرسالها، تحمل نقيضها في جوفها، لأنه إذا كان ملايين السوريين النازحين في لبنان وخارج لبنان كلهم يؤيدون النظام السوري، وقد نجحت «المجموعات الإرهابية» في تهجيرهم، فهذا يعني أن هذه «المجموعات» أقوى بكثير مما يصورها النظام، وأنها هي التي تمسك بالمبادرة على الأرض السورية.

ثالثاً: في واقع الحال، فقد أدى المشهد الفوضوي والاستفزازي للسوريين يوم الأربعاء الماضي، إلى زيادة طبقات المآسي التي يرزحون تحتها، لأنهم خسروا شطراً واسعاً من تعاطف البيئة الحاضنة لهم، فتلاقت الأصوات -للمرة الأولى- المطالبة بترحيل أعداد كبيرة منهم، لكأن الخوف من عواقب عدم تأييد النظام قد أدى فعلياً إلى حصول هذه العواقب، وسوف يؤدي هذا المتغير إلى مطالبة قوى سياسية متعددة بترحيل السوريين الذين ينتقلون ويعودون إلى بلادهم باعتبار أنهم آمنون، كما سيؤدي إلى تضييق الدولة على السوريين أكثر في المعاملات وفي الحركة، فضلاً عن انحسار المساعدات الشعبية لهم، وإعادة كثير من الجمعيات الأهلية النظر في سياستها الإغاثية.

لأجل ذلك يصح أن يقال، إن ما بعد حشد 28 أيار ليس كما قبله، إن لجهة أوضاع النازحين في لبنان، أو لجهة وضع النظام السوري نفسه، إذ خلافاً لما قد يبدو في الظاهر، فإن مبالغة النظام السوري في مواقف التحدي الإقليمي والدولي ستنتج ردوداً تنقل القضية السورية إلى طور جديد.