خادم الحرمين يجدد وقوفه مع لبنان ضد الإرهاب و14 آذار تتعهد «مواصلة النضال»
عودة الحريري: تذخير الأمن.. والاعتدال
لأنّ مفصلية المرحلة في لبنان والمنطقة وضرورات المعركة مع الإرهاب والتطرف باتت تقتضي التحام قيادة الاعتدال بكوادره وقواعده، عاد الرئيس سعد الحريري بعد غياب قسري دام ثلاث سنوات وأربعة أشهر إلى قلب الوطن ليزخم نبض اعتداله وعيشه المشترك ويذخّر جيشه وقواه الأمنية بموجب هبة المليار دولار التي ائتمنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز على صرفها و«تخصيصها لتلبية الحاجات الملحة للقوات المسلحة الشرعية»، وهو ما أكده العاهل السعودي هاتفياً أمس لرئيس الحكومة تمام سلام، مبدياً «قلقه إزاء الأحداث الأمنية الأخيرة في عرسال وجوارها»، ومجدداً «تضامنه مع لبنان في هذه المرحلة الدقيقة ووقوفه بجانبه في معركته ضد الإرهاب».
وفي حين لاقت عودة الحريري مروحة إشادات رسمية وسياسية وأمنية وديبلوماسية واقتصادية وشعبية باتخاذه هذا «القرار الشجاع» والمهم في التوقيت والمضمون، أطلق البعض فور شيوع نبأ وصول الحريري إلى بيروت العنان للمخيلات والتساؤلات والتأويلات حول أسباب العودة وما إذا كانت مرتبطة بصفقة ما، رئاسية أو غير رئاسية. غير أنّ الحريري نفسه حرص أمام زواره أمس في بيت الوسط على كبح جماح هذه المخيلات والتأويلات بالتشديد على كون ما حمله على العودة إنما يتمحور حول ضرورة وضع الهبة السعودية موضع التنفيذ الفوري والعاجل بما يشكل دعماً عملياً وعملانياً لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية بعيداً من الدعم اللفظي والإعلامي الذي لا يسمن ولا يغني عن سلاح وعتاد في مكافحة الإرهاب، ولأنّ تيار رفيق الحريري هو تيار الاعتدال ويقع على عاتقه ودوره إقفال باب الفتن ومنع التطرف من التمدد والانتشار.
أما في موضوع الرئاسة، فألم وحسرة على ألا يكون «أول تحرك لي فور العودة هو زيارة القصر الجمهوري أو النزول إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس» وفق ما أعرب الحريري خلال الاجتماع الموسّع لكتلة وتيار «المستقبل» في بيت الوسط، مشدداً في هذا المجال على «مسؤولية الجميع» في انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية وعلى أنّ «الأوان قد آن لأن نضع حداً للقيل والقال في هذا الموضوع وأن نفتح الباب أمام توافق واسع على انتخاب الرئيس، والانتقال إلى التضامن الوطني لمواجهة التحديات الماثلة». وإذ أسف في المقابل لكون «حزب الله» لم يجلب للبنان «إلا الأذى» جراء تدخله في سوريا، حذر الحريري أمام المجتمعين من أنّ «خطر الإرهاب جدي ومصيري وأي تهاون في مواجهته يعني فتح الباب أمام الفتنة وأمام نهاية لبنان»، لافتاً الانتباه إلى أنّ «المرحلة حساسة وتحتاج تصرفاً مسؤولاً وتكاتفاً حول دور الدولة ومنع سقوط المؤسسات الأمنية والعسكرية»، مع تأكيده أنّ «التحية ستكون مقرونة بالعمل للوقوف إلى جانب عرسال وطرابلس وعكار والشمال وكل المناطق التي تتعرض للتحريض والافتراء».
السرايا الحكومية
وكان يوم الحريري الطويل في بيروت قد استهله باكراً، فور عودته فجراً آتياً من جدة، بزيارة ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط العاصمة، ثم توجه إلى السرايا الحكومية حيث استقبل استقبالاً رسمياً التقى بعده رئيس مجلس الوزراء تمام سلام واستعرض معه على مدى ساعة الأوضاع العامة في البلاد والتطورات الأمنية الأخيرة في عرسال ومحيطها، كما تباحث الجانبان في آلية صرف الهبة السعودية للمؤسسات العسكرية والأمنية.
ولاحقاً، ترأس سلام بحضور الحريري اجتماعاً أمنياً في السرايا خُصص للبحث في الاحتياجات المُلحّة للجيش وجميع القوى والأجهزة الأمنية. وأعرب رئيس الحكومة في بداية الاجتماع، الذي شارك فيه وزيرا الدفاع والداخلية سمير مقبل ونهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي والقادة الأمنيون، عن ترحيبه بعودة الحريري بوصفها «خطوة كبيرة تنمّ عن حسّ وطنيّ عال في هذه الظروف الدقيقة»، وعن أمله في أن تؤدي هذه الخطوة إلى «خلق أجواء إيجابية مؤاتية للتقارب بين اللبنانيين بشكل يُحصّن البلد»، مجدداً شكر لبنان لخادم الحرمين الشريفين على حرصه على تعزيز أمن لبنان واستقراره وتقوية مؤسساته الشرعية. وبعد إطلاع الحريري المجتمعين على طبيعة الهبة السعودية المؤتمن على تقديمها بمتابعة الرئيس سلام ومجلس الوزراء، جرى نقاش حول المستلزمات التي تحتاجها القوى المسلحة، وخلص الاجتماع إلى طلب رئيس الحكومة من القادة الأمنيين المسارعة إلى إعداد كشوف بحاجاتهم بإشراف الوزراء المختصين.
14 آذار
ومساءً، عقدت قوى «14 آذار» اجتماعاً استثنائياً موسعاً في بيت الوسط بمناسبة عودة الرئيس الحريري إلى بيروت حضره الرؤساء أمين الجميل، فؤاد السنيورة ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعدد من الوزراء والنواب وشخصيات وجميع مكونات 14 آذار. وإثر انتهاء الاجتماع أصدر المجتمعون بياناً رأوا فيه أنّ «هذه العودة تمثل لدى كل اللبنانيين المخلصين فسحة أمل»، وأكدوا باسم الرابع عشر من آذار «التمسك الكامل بالدولة ومؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية»، معاهدين في هذا السياق اللبنانيين أن يبقى مشروع 14 آذار الوحيد «العبور إلى الدولة واستكمال بنائها بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية».
وإذ توجّهت بالشكر إلى خادم الحرمين «على التفاتته الكريمة دعماً للجيش اللبناني والقوى الأمنية في معركتهم الشرسة ضد الإرهاب»، جددت قوى 14 آذار التزامها «أمام الرأي العام اللبناني مواصلة نضالها من أجل استقلال لبنان وسيادة دولته المحررة من كل أنواع وصايات السلاح غير الشرعي»، مطالبةً في هذا الإطار «بضبط الحدود اللبنانية السورية من خلال نشر الجيش، مدعوماً بقوات الأمم المتحدة كما يتيح القرار 1701»، مع الإشارة إلى أنّ هذا الأمر «لا يكتمل إلا بانسحاب «حزب الله» الفوري من القتال الدائر في سوريا، منعاً من تكرار ويلات تهدد لبنان وأمنه، كما حصل في بلدة عرسال الصامدة ومحيطها».
ترحيب وإشادة
وفور شيوع خبر عودته، تلقى الحريري جملة اتصالات رسمية وروحية وسياسية ونيابية ووزارية وعسكرية وأمنية واقتصادية وديبلوماسية مرحّبة، كما غصّ بيت الوسط بالمهنئين وسط تقاطع التصريحات عند التأكيد على الارتياح الوطني العام الذي خلفته العودة.
في أبرز المواقف، وإذ أمل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في أنّ تشكل عودة الحريري «حافزاً لتضافر كل الجهود الخيّرة من أجل الدفع إلى الأمام بالمساعي الآيلة إلى الخروج من الأزمة السياسية والاجتماعية الداخلية»، أعرب رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس أمين الجميل عن قناعته بأنّ «عودة الرئيس الحريري مؤشر مهم جداً وتساهم في معالجة الأمور وكذلك في انجاز الاستحقاق الرئاسي».
وبينما آثر رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط اختصار توصيفه لعودة الحريري بأنها «ممتازة»، جزم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ «آلية العمل في 14 آذار ستتفعّل أكثر مع عودة الرئيس الحريري»، لافتاً إلى أن «الأمور بعد عودته لن تبقى كما كانت في غيابه»، وشدد على أنها تشكل «تعزيزاً لدور الوسطية والإعتدال» في البلد.
كذلك، أعرب وزير الاتصالات بطرس حرب عن أمله في أن تكون عودة «أحد رواد الاعتدال منطلقاً لجو سياسي جديد يساهم بشكل مباشر في تحريك الملف الرئاسي ودعم الجيش والمؤسسات الدستورية»، في حين شدد وزير الصحة وائل أبو فاعور على أنّ «العودة الشجاعة والميمونة للرئيس الحريري تكرس وتحمي منطق الاعتدال والشراكة، وتفتح آفاقاً جديدة أمام الحوارات التي يمكن أن تؤدي ليس فقط إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بل تعطي دافعاً وحافزاً أكبر للاتصالات السياسية التي يمكن أن تقود إلى تسوية وطنية شاملة»، ولفت وزير الاعلام رمزي جريج إلى أنّ عودة الحريري تشكل «بارقة أمل بانفراج الأزمات السياسية والأمنية التي يعاني منها لبنان».
أما على مستوى الارتخاء الاقتصادي الذي خلفته العودة بالتزامن مع ارتفاع مؤشر الأسهم المحلية فور ورود خبر العودة، فقد شدد رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار على أنّ «خيار الرئيس الحريري بالعودة وتجاهل المخاطر الأمنية قرار جريء ومهم سوف يكون له مفاعيل إيجابية على أكثر من صعيد سياسي وأمني واقتصادي». كما أبدى رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير ثقته بأنّ وجود الحريري في لبنان «خطوة تنقل البلد إلى مرحلة جديدة تحقق آمال اللبنانيين وتطلعاتهم تجاه وطنهم»، مترقباً «ترجمة سريعة للعودة وارتياحاً نفسياً وحركة اقتصادية واعدة في كل القطاعات».