Site icon IMLebanon

عودة الحريري: دور في إخراج ترتيبات لا إقرارها

وسط موجة الترحيب بعودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، هناك كلام عن احتمالات لترتيب الوضع الداخلي، يكمن دور الحريري في أن يكون مساهماً في إخراجه، ليس أكثر

جاء تكليف حيدر العبادي تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، ليطرح في لبنان مجدداً أسئلة عن ربط لبنان بما يجري في العراق، وما يمكن أن يخلّفه هذا التكليف من ارتدادات لبنانية.

منذ أشهر طويلة والوضع اللبناني على تماس مع التحرك السعودي ـــ الإيراني في المنطقة، من العراق إلى سوريا وفلسطين. ولم يكن تهويلاً ولا مبالغة الحديث عن تقاطع الوضع اللبناني مع أزمات المنطقة، وعن أن الطبقة السياسية المعنية تنتظر ما سيؤول إليه وضع رئيس الوزراء العراقي سابقاً نوري المالكي بعد الانتخابات العراقية.

فبعد تمديد فترة المفاوضات الإيرانية مع الدول الخمس زائد واحد، لأربعة أشهر فحسب، بدا أن الوضع في المنطقة يسير نحو ترتيب مرحلي ليس أكثر. لكن بعد انفجار حالة «داعش» في العراق، وتسارع الأحداث في المنطقة التي تسيطر عليها وتمددها نحو مناطق حدودية مع دول الجوار، وانشغال العالم بما ترتكبه من فظائع، بدا أن ثمة كلاماً سعودياً ــــ إيرانياً لم تتضح معالمه في شكل كامل، يتعلق بالحالات المستجدة في المنطقة.

كان انتظار تغيير المالكي يشكل إحدى المحطات الأساسية في مسار الحوارات، كترجمة عملية لسياسة إيرانية حديثة، مع العلم أن إيران كانت قد تخلت منذ أشهر طويلة عن رئيس الوزراء العراقي. اليوم، بعد تكليف شخصية شيعية أخرى تأليف الحكومة، بدأ الحديث اللبناني عن إمكان حدوث «تفاهمات» إقليمية أيضاً تعنى بالشأن اللبناني.

كانت إشارات

الشارع السّني بعد عرسال تنذر بالخطر على زعامة المستقبل

لم يكن مجيء الرئيس سعد الحريري إلى لبنان محطة منفصلة عن مسار بدأ قبل أسابيع، وله صلة بتطورات المنطقة والحوارات الدائرة فيها.

ففي 18 تموز الفائت، أطل الحريري من جدة على إفطار أُقيم في البيال. ترقب الجميع الكلمة على أساس أن زعيم تيار المستقبل سيعلن مبادرة ما تفتح الباب أمام احتمال إجراء انتخابات رئاسية. لم تحمل الكلمة معها اختراقاً استثنائياً للحالة اللبنانية، لكن الإطلالة المدروسة في حد ذاتها، كانت الحدث بعد غياب طويل، وبمثابة إشارة سعودية إلى عودتها إلى أداء دور في لبنان، عبر خريطة طريق بدت في كلمة الحريري كرصاصة انطلاق نحو الرئاسيات، بعدما تحدث عن مرشحي تسوية.

في اعتقاد سياسيين، أن الرياض كانت قد مهدت لعودة الحريري بإطلالته الأولى بعد غياب، وهي كانت تريد فرصة كي تأذن بعودته إلى بيروت، فجاءت قضية عرسال بكل مفاعيلها وارتداداتها، لتكون هي الباب الواسع الذي يلج عبره الحريري حاملاً معه الهبة السعودية، بعد إعلانها من جدة.

مهمة الحريري في بيروت، في مرحلة حساسة إقليمية لا تتعلق بالهبة السعودية المالية، بل هو جاء محملاً مهمات ثلاثاً:

الأولى، ضبط الشارع السني بعد عرسال وصعود نجم هيئة علماء المسلمين والوقوف في مواجهة التطرف الإسلامي. لم تستدع طرابلس سابقاً عودة الحريري، نظراً إلى أن احتمالات ضبطها كانت مرتفعة، لكن ما حصل في عرسال كان أشد خطورة ويحمل ارتدادات على الشارع السني برمته، بعد وصول خطر «داعش» إلى لبنان. كانت إشارات الشارع السني بعد عرسال تنذر بالخطر على زعامة المستقبل، ولا سيما بعد التصدع الذي أصاب الكتلة النيابية من جراء انقسامها بين معارضين متشددين تجاه الجيش وقيادته، عاملين على شنّ هجمات عليها، وبين داعمين ــــ ولكن بتحفظ ــــ لها. وكان لا بد من إحداث صدمة إيجابية لاستعادة زعامة الشارع السني مجدداً تحت عباءة الحريري نفسه لا القيادات البديلة التي يعمل كل منها لمصلحة مستقبلها السياسي. وكذلك إن وجود الحريري في المعنى الأمني بات ضرورياً لتفادي أي تطور أمني في حال اشتعال الوضع ميدانياً مجدداً في عرسال أو حتى طرابلس، لأن أي شرارة جديدة في أي منطقة سنية قد تكون نتائجها وخيمة، وهي لا تصبّ اليوم في مصلحة المستقبل وسط استحقاقات إقليمية وداخلية.

ثانياً، ليست صدفة أن يعود الحريري إلى بيروت في وقت يغادرها السفير السعودي علي عواض العسيري. مع العلم أنه لا يمكن في غياب رئيس للجمهورية اعتماد أي سفير آخر للمملكة السعودية أو لغيرها. أتى الحريري حاملاً مهمة سعودية في إدارة سياستها لملف لبنان من الداخل، وحاملاً هبة سعودية مالية للقوى الأمنية، وهبة من ماله الخاص لعرسال، وبدأ سلسلة لقاءات على مستويات سياسية وأمنية واقتصادية، بما يذكر، بحسب أحد السياسيين، بوالده الرئيس الراحل رفيق الحريري في بدايته السياسية بعد الطائف، في موازاة رؤساء الحكومات.

ثالثاً، مع تطور الوضع العراقي وإشارات الحلحلة في الملف الحكومي بتسمية حيدر بديلاً للمالكي، كان لا بد من تهيئة الجو اللبناني والسني لاحتمالات أي ترتيب للوضع الداخلي. يحتاج السنّة في هذا المجال إلى زعيم للتفاوض معه كما هي حال الشيعة والدروز. من هنا جاءت عودة الحريري إلى لبنان، كي يكون له دور (وخلفه الدور السعودي) في إخراج أي ترتيب للوضع الداخلي عبر إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، لا دور في إقراره، وقيادة مفاوضات داخلية من أجل ترجمة أي اتفاق إقليمي في شأن لبنان. فلا يكون بعيداً عن إدارة ملف دقيق في ظروف حساسة.

قد يكون من المبكر الكلام عن نضوج هذا الترتيب أو وصوله إلى خواتيمه، لكن كان لا بد للرياض أن تضع ثقلها في المكان الذي يمكنها من إدارة عناصر الحل الداخلي إذا اقتضى تسارع التطورات الإقليمية ذلك، وحيث يجب تطويق عوامل التفجير.