Site icon IMLebanon

عودة الحريري ورهان جنبلاط

 

لا يستطيع القاصي أو الداني أن يتجاهل ما كان لعودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان «المفاجئة» بتوقيتها، من ردود فعل إيجابية سياسياً وشعبياً، وحظيت بجملة من التعليقات وأرفقت بحملة من التحليلات، أقل ما قيل فيها إنها كانت بمكانها وكسرت الغياب لتصحّ مقولة «الغياب استثنائي» والحضور هو «القاعدة«.

العودة «المفاجئة» استقبلت أيضاً بكم كبير من المقالات التي تناولتها أكان في وسائل الإعلام المؤيدة لسياسات ونهج «الاعتدال» الذي يقوده الرئيس الحريري، أو تلك التي تدور في فلك «8 آذار» التي كانت سبّاقة في الترويج لضرورتها، كما رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط المتمركز في الوسط، الذي ألمح في العديد من مقابلاته التي سبقت «العودة» إلى تمنّيه وجود الرئيس الحريري في لبنان «للمساعدة على تحريك المياه الراكدة«.

وحده الحريري كان يملك القرار، وهو منذ اليوم الأول الذي غادر فيه لبنان نتيجة الظروف الأمنية الخطيرة المحيطة به، كان يكرر القول إنه سيتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب لعودته.

وتؤكّد مصادر «اشتراكية» أن هناك «رهاناً كبيراً على عودة الرئيس الحريري في كسر الجمود المهيمن على معظم الملفات السياسية العالقة، وفي مقدّمها انتخاب رئيس للجمهورية»، لكنها بالمقابل «ترفض تحميل الحريري وحده هذه المسؤولية«.

واعتبرت المصادر أن العودة تنمّ عن «إيمان من الحريري بضرورة تواجده بين أهله وفي بلده في ظل الظروف الصعبة والمخاطر الجمّة التي تحيط بلبنان، كما تكشف عن الجانب الشجاع من شخصية الحريري الذي قرر مواجهة الإرهاب وهو في لبنان« مضيفة أن جنبلاط لا يحاول أن يخفي «سروره بعودة الحريري لا بل يعبّر عن ذلك علناً وبين المحازبين وأمام الزوار ويعتبر أن هذه العودة تحمل في طياتها آمالاً كبيراً بفتح كوة في جدار الأزمة السياسية التي يعاني منها لبنان، وتفتح المجال أمام المضي في مواجهة الإرهاب والفكر الظلامي الذي تشكّله داعش وأخواتها«.

وتعتبر المصادر أنه لا شك بأن الهجمة الإرهابية التكفيرية التي شنّتها مجموعات مسلّحة على بلدة عرسال كانت بمثابة جرس الإنذار الذي دفع خصوم الحريري السياسيين قبل حلفائه، إلى التنبّه من الخطر الداهم على لبنان والذي لا يمكن مواجهته إلا من خلال نهج الاعتدال والذي يعتبر الحريري رأس حربته.

وتؤكّد المصادر أنه انطلاقاً من أن المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المستشعر بشدّة لخطر الإرهاب، وفي الوقت عينه من أشد المؤيدين لفكرة تزويد الجيش والقوى الأمنية بالمعدات والآليات اللازمة والضرورية لتمكين «المؤسسة العسكرية الرسمية وحدها دون سواها من الاستمرار في المعركة ضد الإرهاب«، جاءت هبة المليار دولار وإيكال مهمة الإشراف المباشر على صرفها إلى الرئيس الحريري، لتشكّل حافزاً إضافياً له لكي يعود ويتولى إنجاز هذه المهمة.

ولذلك، فإن الحريري ومنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى لبنان، شدّد على أنه يجب عدم التعاطي مع عودته على أنها مؤشر «لحلحلة» معينة إن كان على صعيد انتخابات الرئاسة أو أي مواضيع سياسية أخرى.

لكن المصادر الاشتراكية تؤكّد أنه بمقدار ما هذه العودة مهمة على صعيد تنفيذ الهبة السعودية في دعم الجيش والقوى الأمنية، إلا أنها أيضاً «ضرورية لتعزيز خط الاعتدال الإسلامي العربي الذي أرساه الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسار على نهجه من بعده الشيخ سعد، وهذا الخط كفيل بتحصين لبنان في مواجهة الإرهاب التكفيري الذي يشنّ باسم الإسلام وهو براء منه».

وهذا الموقف عاد وشدّد عليه جنبلاط بنفسه بعدما زار أمس «بيت الوسط» على رأس وفد من «اللقاء الديموقراطي» عندما أعلن أن «الشيخ سعد عاد في ظروف بالغة التعقيد، لكن في الوقت نفسه، فإن وجوده معنا اليوم في لبنان يشكل عاملا أساسياً ورادعاً لحل مشاكل كبيرة وللتأكيد على الخط الذي بناه والده الشهيد رفيق الحريري، والذي أرسى نهجه وثبته الشيخ سعد الحريري، وهو الإسلام الاعتدالي الوطني اللبناني العربي«.

عاد الحريري ليشهد البلد انفراجاً سياسياً واقتصادياً وشعبياً، وتنفّس اللبنانيون الصعداء، وأثبت، كما دائماً، أن الاعتدال هو المسار الذي يرسّخ العيش المشترك ويحصّن لبنان ويزيد من منعته أمام الحرائق التي تعصف بالمنطقة، وأن استمرار لبنان في الاستفادة من «المظلة» الإقليمية والدولية التي تحميه، يجب أن يعززّه تفاهم «أصحاب الشأن» اللبنانيين. وأولى خطوات هذا التفاهم انتخاب رئيس للجمهورية.