لم يستسِغ حلفاء رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، أو بعضُهم، مبادرتَه الأخيرة القائلة بانتخاب رئيس الجمهورية مباشرةً من الشعب، وإقرار قانون انتخابيّ جديد يتيح لكلّ طائفة انتخابَ نوّابها في الندوة النيابية.
بعض حلفاء عون فوجئوا بمبادرته، لأنّها بما تضمَّنته تدعو إلى تغيير أساسي في النظام الذي أرساه «إتّفاق الطائف»، بحيث إنّها تحوّله من نظام جمهوري ديموقراطي برلماني يُنتخب فيه رئيس الجمهورية بالاقتراع النيابي المباشر، إلى نظام رئاسي يُنتخَب فيه هذه الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر، مثلما هي الحال في الولايات المتحدة الاميركية وغيرها من الدول.
فلقد كان هؤلاء الحلفاء ينتظرون من عون أن يعلن أنّ مفاوضاته «الرئاسية» مع الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» قد فشلَت، أو وصلت الى طريق مسدود، وأنّه عائد إليهم للتشاور معهم في الخيارات الرئاسية البديلة التي يمكن اعتمادُها لإنجاز استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، سواءٌ قرَّر الاستمرار في ترشيح نفسه أو ترشيح غيره. لكنّه لجأ إلى إطلاق مبادرةٍ أراد منها تغيير المسار في شأن الاستحقاق الرئاسي في الاتجاه الذي يعتقد أنّ من شأنه خدمة ترشيحه.
لكنّ بعض المُطلعين على «المناخ العوني» يؤكّدون أنّ عون أطلقَ مبادرته لأسباب عدة، لعلّ أبرزها:
أوّلاً، شعوره بعد فشل الحوار بينه وبين الحريري، وبالتالي تفجّر الأزمة العراقية على نحو خطير، أنّ الفجوة ستتوسّع كثيراً بين المملكة العربية السعودية وإيران، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى تأخّر إنجاز الاستحقاق الرئاسي الى وقت طويل، وربّما إلى صيف 2015، بعدما كان ساد أخيراً تعويل على تقارب بين الرياض وطهران سيؤدّي إلى إنجازه قريباً. ويرى هؤلاء المُطلعون أنّ الأزمة العراقية وما تُحدِثه من مضاعفات داخل العراق وفي الإقليم ستأخذ مداها، لتشكّل لاحقاً بوّابة الدخول الى التسويات الإقليمية والدولية الكبرى التي سيبدأ العَدّ العسكي لها بعد إنجاز «الاتفاق الشامل» على الملفّ النووي الإيراني بين إيران والدول الغربية.
ولذلك أراد عون أن يملأ بمبادرته الفترة الفاصلة عن موعد حصول تلك الاتفاقات والتسويات، عسى أن تدفع من يؤيّدها إلى تأييد ترشيحه للرئاسة على أساسها، خصوصاً إذا تعذّر تنفيذ هذه المبادرة حالياً، واعتمدها عون برنامج ترشيحه للرئاسة لاحقاً.
ثانياً، إنّ عون طرح مبادرته هذه هادفاً إلى تحقيق مزيد من الكسبِ الشعبي على الصعيد المسيحي، لأنّه من خلال ما تضمَّنته، يُظهِر حِرصاً على تحقيق مزيد من المكاسب للمسيحيين، أوّلاً من خلال الاختيار المسيحي للرئيس العتيد في دورة الانتخاب الأولى، وثانياً من خلال قانون الانتخاب الذي يقضي بأن تنتخب كلّ طائفة نوّابها مباشرة. ومن خلال هذا الطرح يعتقد عون أنّ أحداً من خصومه السياسيين المسيحيين لا يمكنه أن يزايد عليه في الدفاع عن حقوق المسيحيين والسعي إلى تعزيزها وتحصينها.
بعض حلفاء عون رأوا أنّه ألقى مبادرته في وجه الجميع تحت عنوان أنّ «هذا ما عندي من تصوّر للخروج من الأزمة بشقّيها الرئاسي والنيابي، فهاتوا أنتم ما عندكم». لكنّ البعض الآخر من هؤلاء الحلفاء لم يؤيّد هذا الطرح، بل وجد فيه ما يمكن أن يؤدّي إلى ترسيخ الطائفية في البلاد، فيما «إتّفاق الطائف» والدستور الذي انبثقَ منه يناديان بوجوب إلغائها وفقَ «خطّة مرحلية» منصوص عنها في المادة 95 من الدستور.
ويرى هؤلاء أنّ مبادرة عون كان يمكن القبول بها لو أنّه قرَن موضوع انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر باقتراح قانون انتخابي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي، ولكنّ ذهابه إلى اقتراح قانون تنتخب كلّ طائفة نوّابها بموجبه مثلما يقضي «المشروع الأرثوذكسي» الشهير، جعلَ المبادرة العونية ذات مرام وأهداف طائفية بحتة تتوخّى مصلحة المسيحيين بالدرجة الأُولى عبر إلغاء الشكوى القائمة منذ التوصّل إلى «اتّفاق الطائف» والقائلة بأنّ الطوائف والقوى السياسية الأخرى هي التي تختار للمسيحيين ممثليهم في الندوة النيابية وحتى في الحكومة، وقبل كلّ ذلك في رئاسة الجمهورية، مثلما كان يحصل أيّام الوجود السوري، أو ما سُمّي «الحقبة السورية».
رمى عون مبادرته، ولكنّه «أعماها» باقتراح انتخاب الطوائف نوّابَها، بدلاً من أن «يُكحّلها» باقتراح لبنان دائرة انتخابية واحدة، ما يُمهّد إلى إلغاء الطائفية…