خريطة طريق «حماية لبنان».. والاشتباكات الأربعة!
عون ـ الحريري: الحوار الرئاسي.. إلى أين؟
بثلاث كلمات، يختصر قطب سياسي خريطة الطريق التي رسمها سعد الحريري في خطابه الرمضاني: «أعتقد أنها مزحة»!
ما دفع القطب السياسي الى نعي خريطة الحريري، هو أنه لا يرى أساسا صلبا ترتكز عليها، كما أنها لم تصدر عن شخصية حيادية، بل هي صدرت عن طرف سياسي تخوض مجموعة اشتباكات صعبة في آن واحد.
فالحريري، كما يلاحظ القطب المذكور، يشتبك مع نجيب ميقاتي على الساحة الطرابلسية في محاولة للتقليل من الحرج الذي سببه ملف موقوفي أحداث طرابلس، وكذلك محاولة إعادة تثبيت حضوره في تلك المدينة التي خسر فيها أمام الحالة الميقاتية.
كما أن الحريري يشتبك مع نبيه بري على خلفية تعطيل الوظيفة التشريعية لمجلس النواب، واعتراض تيار «المستقبل» على سلسلة الرتب والرواتب واضح، وكذلك تعطيله انعقاد جلسة تشريعية لإجازة الصرف القانوني لرواتب القطاع العام اعتبارا من نهاية الشهر الجاري، وذلك بإصراره على أن يتم ذلك بقرارات صرف من قبل الحكومة على غرار القرارات السابقة، والهدف واضح لدى بري وهو جعل وزير المالية الحالي يرتكب خطأ صرف المال لتبرير أخطاء مماثلة ارتكبت أيام حكومة السنيورة وذهبت بالمليارات.
والحريري يخوض الاشتباك الدائم مع «حزب الله»، ويكاد يكون الخبز اليومي لتيار «المستقبل» وحلفائه، وقد اعتاد الحزب على هذا النوع من الهجوم في السنوات الأخيرة وقراره الدائم هو التجاهل وعدم الاشتباك مع الحريري. ولكن هناك في هذا الجانب من يسأل:
كيف للحريري أن يطرح خريطة طريق لحل داخلي، وفي الوقت نفسه يجيز لنفسه ما يمنعه عن غيره، ويقدم نفسه عضواً في محور خارجي (السعودية ومن معها في حربها على بشار الأسد في سوريا ونوري المالكي في العراق)، ويعيب على «حزب الله» وقوفه مع محور ايران وسوريا والعراق؟
كيف للحريري أن يطرح «خريطة طريق حماية لبنان» كما سماها، وفي الوقت نفسه ينعت «حزب الله» بالإرهابي؟ أوَليس «حزب الله» هو الشريك الأساسي في اعتماد أية خريطة طريق للحل؟ وهل يمكن لأية خريطة ان تبصر النور من دونه؟ إلا اذا كان الهجوم عليه يتوخى استدراجه الى السجال لتلقى عليه مسؤولية التعطيل..
لماذا الإصرار على اتهام «حزب الله» باستدراج الإرهاب الى لبنان، إلا اذا كان الإصرار على هذا الاتهام ومواصلته، من قبيل شد عصب جمهور يفتقد زعيمه المهاجر؟
هل الحزب هو الذي استدرج «داعش» الى الموصل، لا بل هل استدرجه المسيحيون الى الموصل لقتلهم أو تهجيرهم وحرق كنائسهم وأديرتهم؟
هل استدرج «حزب الله « تنظيم «داعش» الى الكويت التي ألحقها «داعش» بدولة الخلافة؟
هل استدرجه «حزب الله» الى السعودية التي تعرّضت لضربات إرهابية في الآونة الأخيرة، وها هي تستنفر كل قواها في مواجهة «الإرهاب الداعشي»؟
لماذا إغماض العين على حقيقة أن مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية هي التي منعت تمدد الخطر الداعشي الى لبنان وأبقت فيه دولة ومؤسسات؟
من الجيد التأكيد أن مواجهة الإرهاب هي مسؤولية الدولة وحدها. ولكن هل الدولة، بما هي فيه من عجز ووهن وضعف في الإمكانات، قادرة على المواجهة؟ وبناءً على ذلك هل تترك الدولة وحدها، وان تقف مكونات البلد مكتوفة الأيدي وتترك «داعش» يقوم بما قام به في العراق والموصل، وربما أخطر؟
على ان الحريري، في الجانب العوني غير المعلن من خطابه الرمضاني، يؤسس لاشتباك أو نفور أو ما يعادلهما مع ميشال عون، فالحريري الذي يحاول ألا يكسر الجرة مع جنرال الرابية، ظهـّر أن نتائج الحوار بلا أفق معه، ولا سيما عندما رمى كرة رئاسة الجمهورية في ملعب التوافق المسيحي، وهو ما يدرك الحريري استحالته. وبحسب قراءة برتقالية للخطاب، فإنه يرفض ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، «لو شاء هو أو الراعي الخارجي له، الخليجي وغير الخليجي، إعلان دعم هذا الترشيح، لما تردد في إعلان ذلك، ولما تذرّع بتوافق مسيحي».
بحسب تلك المقاربة البرتقالية، فإن خطاب الحريري يلقي الكرة في ملعب عون لكي يبني على الشيء مقتضاه، أما وقعه على الجسم العوني فكان ثلاثيا:
عزز موقف المتحفظين أصلا على الحوار مع الحريري ليقينهم بعدم جدواه وانه بلا أفق ولن يوصل الى النتيجة التي يرجوها عون، وما الحوار الرئاسي الذي جرى بين الطرفين إلا رهان على سراب.
أحرج المراهنين على إمكان أن يقدم الحريري تنازلا ما لمصلحة عون، وكذلك أولئك المقربين أو المحيطين الذين زيّنوا لعون من البداية طريق الحوار الرئاسي مع الحريري.
المصدوم الوحيد هو ميشال عون نفسه، الذي لم يقطع حبال تواصله مع حلفائه، وكان على تنسيق دائم معهم لأنه يعرف أنه يخوض حواراً ضبابياً.