هل حقاً ان المصادفة وحدها وراءاعلان الامير سعود الفيصل توجيه الدعوة الى نظيره الايراني محمد جواد ظريف في اليوم نفسه الذي استقبل وزير خارجية لبنان جبران باسيل؟
في الجانب الخلفي من المسرح، ثمة اشياء مثيرة تحدث الآن، والى حد الكلام انه في سياق المفاوضات السرية بين الرياض وطهران والتي سبقت المفاوضات العلنية، جرى البحث في ايصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية في لبنان مقابل ازاحة نوري المالكي عن رئاسة الحكومة في العراق.
هذه المعلومات يجري تداولها الآن داخل اوساط ديبلوماسية يمكن وصفها بالحساسة. وحين نسأل جهات لبنانية مواكبة للمسار الخاص بالاستحقاق الرئاسي تجيب بأن «القصةكبيرة ويجري حبكها الآن». تتحفظ على التفاصيل وتشير الى شبكة من الاتصالات التي قد تسفر عن شيء ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان او بعدها بقليل.
في اجواء مرشحين آخرين كلام عن «رائحة صفقة». لا تفاصيل، ولكن محاولة لربط الاشياء ببعضها البعض. في النهاية ان الرئيس الثالث عشر«يطبخ» خارج لبنان، وسيكون ذلك مدخلاً الى تسويات اقليمية شديدة الحساسية، ليحكى عن سيناريوهات على مستوى عال من الاثارة.
والمهم ان التواصل بين العماد عون والرئيس سعد الحريري لا يتم من رأس الى رأس وانما في اطار التواصل بين رؤوس كبيرة وتنظر الى الرئاسة في لبنان على انها جزء من صفقة, والى حد التساؤل ما اذا كان سوق البيع والشراء قد فتح على مصراعيه.
يحكى ايضاً عن وزير قام باتصالات بعيدة من الضوء مع مسؤولين في دولة خليجية ومن اجل ان يبادر هؤلاء المسؤولون بإتجاه مسعى يتعلق برئيس التيار الوطني الحر، ولكن مع القول ان الامور لن تأخذ شكلها النهائي الا في ربع الساعة الاخير، وربما استدعى ذلك بعض اسابيع من الفراغ كي لا يفضي الاختيار الى تفكيك دراماتيكي لتحالفات لطالما وصفت بأنها استراتيجية او حتى سوبر استراتيجية.
هل وُضع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في هذه الاجواء؟ سألنا احد المطارنة، وهو ذو باع طويل في قراءة ما يحدث في الظل، وكان جوابه المقتضب
«علمي علمكم» وان استدرك قائلاً «بعد الاعلان عن توجيه الدعوة الى ظريف لزيارة السعودية من اجل المفاوضات، كل شيء يغدو ممكناً، لكنني لا اعتقد ان الامور تمضي بالسرعة التي نتصورها».
ثم نأخذ علماً بأن ما يعني البطريرك هو عدم ترك الموقع الرئاسي خالياً ولو للحظة لان المؤشرات تدل على ان المنطقة مقبلة على صفقات حساسة، ويخشى ان يحدث شيء ما على حساب الصيغة اللبنانية، وحتى لو كان يبدو، للوهلة الاولى، مستحيلاً، وليس منطقيا ان يغيب الجانب الماروني( او المسيحي) عن مثلث السلطة.
واللافت انه عندما كان الاكراد في العراق يقولون بالتخلي عن رئاسة الدولة لانها رئاسة فخرية كون الصلاحيات في يد رئيس الحكومة ويدعون الى استلام رئاسة مجلس النواب، كان هناك في لبنان من يعتبر ان التخلص من الازمة التي تتكرر مع نهاية كل عهد يمكن ان يحصل باعتماد المداورة في الرئاسات الثلاث.
والذين يحاولون تسويق هذا الطرح يقولون ان النظام اللبناني بات في مأزق بنيوي وبما تعنيه الكلمة، ولا بد من عملية بأشعة «اللايزر» لهذا النظام، اذ ان ممارسة دستور الجمهورية الثانية الذي انبثق من وثيقة الوفاق الوطني في الطائف اظهرت وجود خلل حاد في الصلاحيات بين اركان الترويكا. واذ لا مجال لتعديل ينزع من صلاحيات احدهم لاضافتها الى صلاحيات الآخر، فان الحل المثالي هو في المداورة.
هكذا يمكن للماروني ان يصبح رئيساً للحكومة ورئيساً للمجلس النيابي، ويمكن للسني ان يصبح رئيساً للجمهورية ورئيساً للمجلس، كما يمكن للشيعي ان يصبح رئيساً للجمهورية ورئيساً للحكومة. وهذه ليست بالمسألة المعقدة كثيراً. تبقى هنا مشكلة ان رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ثابتان ولولاية محددة، فيما رئيس الحكومة متحرك. الذين يؤيدون هذا الطرح لا يرون اي مشكلة لان الترياق الآتي من العراق هو الحل، وان كان الاكراد لا يقولون بالمداورة بل بالمبادلة فيصبح رئيس الجمهورية سنياً ويبقى رئيس الحكومة شيعياً ويصبح رئيس البرلمان كردياً.
هذه تبقى تفاصيل، وقد تكون للهو السياسي تعبيراً عن العجز في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، حتى اذا ما تكرست الصفقة لا بد للاطراف التي لا شك ان مرجعيتها السياسية موجودة في الخارج من ان ترضخ لمنطق الصفقة ولمفاعيلها.
اذاً، ما على الساسة في لبنان سوى ان ينتظروا الكلمة التي تأتي من اعلى، ودائماً ثمة كتبة بارعون للسيناريوهات المثيرة ( وقد تكون احياناً على طريقة الفرد هيتشكوك)، وان كان هناك من يعتقد ان مجرد ابرام الصفقة يعني اعلان وفاة الاصطفاف الثنائي (8 و14آذار) الذي اطبق على صدور اللبنانيين على مدى السنوات التسع المنصرمة، فيما يوحي البعض وكانه سيبقى لتسعة قرون.
اذا صحت المعلومات حول مقايضة رئاسة الجمهورية في لبنان مع رئاسة الحكومة في العراق، لا بد من السؤال: ماذا عن سوريا؟ وكيف يمكن التعامل مع البعد التركي في الازمة السورية خصوصاً وان رجب طيب اردوغان الذي يعتبر انه خسر القاهرة يراهن على الاستعاضة عنها بدمشق. حلم عثماني ولن يتحقق. اما الايرانيون فيقولون ان المالكي فوق اي مساومة!.