لم يطرأ أيّ جديد جوهريّ على الاستحقاق الرئاسي، على رغم الحركة الناشطة بعيداً من الأضواء.
السفير الأميركي ديفيد هيل الذي عاد من زيارته الثانية والمثيرة للجدل إلى المملكة العربية السعودية في مهمّةِ تقريبِ وجهات النظر حول الملف الرئاسي اللبناني، تحدّث باقتضاب أمام بعض الذين التقوه، فأشار إلى أنّه سمع من المسؤولين السعوديين أنّ القرار موجود لدى الرئيس سعد الحريري، وأنّ المملكة تترك له حرّية القرار، وستحترم ما يُقرّره.
وهنا قاطعَ السياسيّ اللبناني هيل، وذكّره بأنّ الحريري كان قد أبلغَ إلى الوسطاء الجدّيين أنّ القرار موجود لدى السعوديّين وأنّ المشكلة ليست عنده. فاكتفى هيل بابتسامة عريضة.
على الخطّ نفسه، حاول السفير السعودي علي العواض العسيري العائد إلى بيروت للمرّة الأخيرة قبل انتقاله إلى باكستان، إشاعة أجواء إيجابية لكن خالية من أيّ التزام واضح وحاسم بتبنّي ترشيح العماد ميشال عون. وهو موقف لا يبعد كثيراً عن المناخ السائد.
ويقول العارفون إنّ لهذه الضبابية أسبابها الجوهرية التي تمتدّ إلى آفاق المرحلة المقبلة من زاوية المستجدّات الإقليمية الحاصلة.
فالكلام الصادر عن المسؤول الإيراني يحيى صفوي، عن حدود المصالح الإيرانية، تعاطى معه الداخل اللبناني من زاوية السجال الداخلي البَحت، فيما المسألة أكبر وأعمق، ذلك أنّ مستشار المرشد الإيراني آية الله خامنئي الذي ينتمي إلى فريق المحافظين اختار إطلاقَ كلامِه عقب إعلان النظام السوري دخوله حمص القديمة، وبالتالي ضمان التواصل البَرّي الآمن والكامل ما بين إيران وجنوب لبنان عبر العراق وسوريا.
والواضح أنّ وجهة كلام صفوي كان المقصود بها قاعة المفاوضات التي تضمّ الوفدَين الأميركي والإيراني، والتي من المفترض أن تنجز الاتفاق الكبير في حدّ أقصاه آب المقبل، هذه المفاوضات التي تشمل عناوين كبيرة جوهرُها رسم حدود مصالح البلدَين في الشرق الأوسط.
وفي موازاة ذلك، تتحرّك قنوات التواصل السعودي – الإيراني ببطءٍ وتأنٍّ، بهدف إيجاد حلول معقولة للمشكلات الهائلة بين البلدين تحت سقف الاتفاق الأميركي – الإيراني المنتظَر. من هنا المراوحةُ في الملفّ الرئاسي اللبناني والغموض «الإيجابي» للقرار السعودي. ذلك أنّ هناك من يعتقد أنّ حظوظ التفاهم على وصول عون تصبح مرتفعة كثيراً في حال إتمام صفقة إقليمية كبرى.
أمّا في حال إنجاز تسوية لا تشمل كلّ الجوانب ولا تمتلك بُعداً زمنياً طويل الأمد، فستصل شخصية مستقلّة تحظى بموافقة عون.
وفقَ المعطيات المتوافرة حتى الآن، تعطي الترجيحات الأفضلية للحالة الثانية، ولكن مع عدم استبعاد احتمال الوصول إلى صفقة كبرى، لذلك يدرك الجميع ضمناً أنّ «ساعة» الاستحقاق اللبناني لا يمكن إلّا أن تُضبَط وفق التوقيت الإقليمي الكبير، وبالتالي لا بدّ من الانتظار لبعض الوقت.
مع الإشارة إلى أنّ تيار «المستقبل» الذي باشرَ استدارةً سياسية وإعلامية جديدة في تعاطيه مع «التيار الوطني الحر» يسعى لخريطة سياسية جديدة في المرحلة المقبلة لن تكون بعيدةً عن الصورة الإقليمية الجاري تثبيتُها. ما يعني أنّه يقارب الاستحقاق الرئاسي بترَوٍّ وتأنٍّ، لكي لا ينعكس الجواب السلبي في الرئاسة، عندما يحين وقتُه، عودةً إلى مرحلة الصدام السابقة. ذلك أنّ تيار «المستقبل» الذي باشرَ تواصُله الخجول مع «حزب الله»، يدرك جيّداً أنّه لا يستطيع الذهاب بعيداً في تواصله هذا، على عكس طبيعة العلاقة التي يعوّل عليها بينه وبين عون.
من هنا تبدو حركة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع كأنّها خارج الزمن السياسي والسياق الفعلي للأحداث. فهو يهتمّ بالدعاية السياسية والاستثمار الشعبي، فيما تُصاغ التسويات بعيداً عنه.
بدوره، ينتظر «حزب الله» التسوية الأميركية – الإيرانية ليدخل على خطّ الاستحقاق الرئاسي بدينامية أكبر. فهو يدرك أنّ الساحة اللبنانية ستخضع للتوازنات الإقليمية المنتظرة، ما سيُعزّز من أرقامه في المعادلة الداخلية. لذلك قد ينتظر مرحلة الذروة ليدخل طالباً صياغة تسويةً داخلية تعكس توازنات اللحظة وتشكّل خريطة طريق سياسية داخلية يمسك بها الرئيس المقبل للجمهورية.
في اختصار، لا تزال الطبخة الرئاسية في حاجة لمساحة أمنية واسعة، فيما الرئيس ميشال سليمان يرسل إلى القوى السياسية، ولكنْ «بخَفر» هذه المرّة، مستفسِراً عن رأيهم في دعوة البطريرك الماروني إلى عدم شغور قصر بعبدا، وبالتالي حظوظ فكرة تسيير الأعمال، لكنّ الأجوبة جاءت سلبية.