ليست مسألة خلاف شخصي بين الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع مع أن لا كيمياء بين الرجلين من النظرة الأولى. يروي مخضرمون في السياسة كانوا قريبين من الرئيس بشير الجميّل أنه عيّن لجنة دراسات في 1981 كي تخطط لوصوله إلى الحكم ضمّت عون وجعجع والأستاذ أنطوان نجم منسقاً. لم تتمكن اللجنة من العمل لأن العقيد الذي سيصبح قائداً للجيش والشاب الطبيب الذي سيصبح قائداً لـ”القوات” كادا أن يتقاتلا كل مرة اجتمعا فيها. أطلع نجم بشيراً على الوضع فوسّع اللجنة ضاماً إلها أكثر من عشرة آخرين وتمكنت من وضع اقتراحات عدة قدمتها إليه.
لكنها رغم ذلك ليست مسألة خلاف شخصي بينهما، بل سياسي وفي العمق. راهن جعجع على اتفاق الطائف ودفع ثمنا غالياً لرهانه، في المقابل اكتسب عون شعبيته وشرعية حضوره السياسي من معارضة الاتفاق الذي أنهى الحرب وحل الميليشيات باستثناء “حزب الله” من غير أن يجد طريقه إلى تطبيق كل بنوده بفعل الوصاية السورية والتجاهل العربي والدولي للإلتزامات تجاه لبنان. لا يزال جعجع على موقفه من الطائف فيما عون لم يعط يوماً موقفا واضحا منه بعد عودته إلى لبنان وتحالفه مع “حزب الله” الذي لا يذكر الإتفاق في أدبياته.
مع اقتراب نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان أعلن جعجع أنه مرشح الحفاظ على الدستور الذي هو دستور الطائف. لم يترشح عون بل فتح حواراً مع الرئيس سعد الحريري الذي طرح عليه مجموعة أسئلة صارت شهيرة: موقفه من القرارات الدولية لا سيما المتعلقة بسلاح “حزب الله” والمحكمة الدولية والتدخل العسكري في الحرب السورية ورؤيته إلى الاقتصاد اللبناني. لم يقدم عون أجوبة، والقريبون منه يسربون أنه ما زال في انتظار جواب الحريري والسعودية عن طلبه دعم ترشيحه كتوافقي لرئاسة الجمهورية.
كُتبَ الكثير عن هذه الوقائع. ما لم يُكتب أن المعروض على عون فك تحالفه مع “حزب الله” وتالياً مع حلفاء هذا الحزب في الداخل والخارج، ومن ثم إقناع الجناح المسيحي في قوى 14 آذار بدعم ترشيحه، لقاء النظر في إمكان دعمه كرئيس توافقي. لا يحتاج المرء إلى قدرات تحليلية عالية كي يستنتج أن عون غير قادر على هذه ولا تلك.
لم يجد جعجع نفسه محتاجاً إلى إدخال تغيير على خطابه السياسي والوطني بعدما استأنف نشاطه وحضوره منذ عام 2005 . عون حمّل نفسه عبء التخلي عن “الكتاب البرتقالي”، المتضمن مبادئ “التيار الوطني الحر” من أجل التحالف مع “حزب الله” في وجه الرفاق الذين شارك أنصاره معهم في الدفاع عن السيادة والإستقلال زمن الوصاية السورية. لاحقاً اضطر إلى التخلي عن “الكتاب الأزرق” كما سماه بعضهم، “الإبراء المستحيل” الذي كال فيه كاتبه النائب ابرهيم كنعان الإتهامات لـ”تيار المستقبل” وأركانه. لعل كنعان على غرار كمال اليازجي المسؤول السابق عن الفكر والعقيدة في “التيار”، وجد نفسه ضحية سياسة تستهلك من يلجأون إلى التعبير بكلمات مكتوبة للتاريخ.
ينتقد أصدقاء سابقون للجنرال عون وخصوم له أسلوبه في التحالف كما في طلب التحالف. يتساءلون ترى ماذا ينتظر؟
إلا أن الحياة الدستورية في لبنان تنتظر معه.