اكثر من رسالة الى اكثر من جهة يوجّهها رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون من خلال كلامه المثير للجدال والسجال والداعي الى “ثلاثية الأقوياء” التي يفترض ان تجمعه مع الرئيس سعد الحريري اضافة طبعاً الى شريكه في التفاهم الشهير “حزب الله”.
ليس كلاماً عابراً ما قاله زعيم الرابية من خلال محطة التلفزة التابعة لـ”حزب الله”، وليس كلاماً ألقي على عواهنه، بل هو ينضح فعلاً برغبات سبق للجنرال البرتقالي ان افصح عنها اكثر من مرة منذ ان عاد الى بيروت عام 2005 آتياً من منفاه الباريسي.
فلم يعد خافياً ان “الفضيلة” الكبرى لعون قياساً بالقادة السياسيين في البلاد انه يذهب بالعادة الى حيث لا يجرؤ الآخرون، فهو ذهب لحظة ان حط رحاله في بيروت بعد غياب استمر اكثر من 15 عاما الى سجن اليرزة ليزور خصمه العنيد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي كان لا يزال يومذاك خلف القضبان، ثم كانت زيارته الى قصر قريطم، واخيراً وليس آخراً ذهب الى الضاحية الجنوبية ليبرم تفاهماً من خارج كل السياقات والحسابات مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وعبر هذا التفاهم انجز فتحاً سياسياً مشهوداً قدّر له ان يصمد ويصمد وتتسع آفاقه ويصير نموذجاً يدعو، الآخرين الى الانضواء فيه مفترضاً انه حقق انجازات مميزة في عالم السياسة اللبنانية المتشعبة والدقيقة الحسابات.
وقبل بضعة اشهر ذهب عون الى مكان كان آخر ما يتوقعه البعض. ذهب الى روما ليلتقي الرئيس سعد الحريري متوّجاً بذلك سلسلة اتصالات وحوارات سابقة. صحيح انه ذهب الى هذا المكان تسللاً لكنه كان أعلم شريكه في التفاهم وحلفاءه في التكتل.
ذهب عون عارضاً على خصمه الألد فتح صفحة جديدة مبتدأها وخبرها الوصول الى الرئاسة الأولى، وتحت هذا العنوان العريض تندرج جملة عناوين وبنود وتفاهمات اخرى. لا شك، ان عون لم يكن يتوقع ان يسمع من مضيفه الحريري رأياً سلبياً او ايجابياً فيه كلمة الفصل، لكنه كان يدرك تمام الادراك انه ينجز فتحاً آخر في عالم السدود والحدود السياسية اللبنانية، ويفتح الأبواب امام سجالات عدة واستطراداً امام هواجس ومخاوف لدى مروحة واسعة من الخصوم المستعدين لفعل اي شيء يحول دون عودة العماد عون الى القصر الذي اخرج منه عنوة عام 1990، ولكن هذه المرة بصفته رئيساً منتخباً وليس رئيس حكومة موقتة بأمر واقع هو الفراغ الرئاسي الذي حدث قبل ذلك بنحو عامين.
لم يعد سراً القول ان حلفاء عون وشركاءه أبدوا منذ بداية انفتاحه على الحريري خوفاً مكتوماً من التداعيات السلبية لهذا الحوار البادئ للتو. خافوا على عون أن يقع ضحية توقه المشروع للوصول الى سدة الرئاسة الاولى، واستطراداً خافوا من خسران مزدوج له، أي خسارة مكانته السياسية كمعارض عنيد، وخسارة الموقع المنشود.
لكن عون اقنع الخائفين من نتائج خطوته المفاجئة، بأنه، وهو رجل المغامرات غير المحسوبة، يملك جرأة صارت جزءاً من شخصيته واستتباعاً جزءاً من الصورة النمطية عنه لدى قواعده ولدى صف الخصم.
وفي كل الاحوال وان كانت الدعوة الى “ثلاثية الاقوياء” مقولة مستجدة لها وقعها السجالي، ولكن لها في عرف المقربين منه وظائفها المتعددة ان من حيث المكان الذي قيلت فيه أو من حيث الزمان والظروف.
وبمعنى آخر ثمة ثلاث رسائل يوجهها عون بمقولته تلك الى الذين خافوا عليه والذين خافوا منه على حد السواء وهي:
– ان عون يقول لمن يعنيهم الامر إن ابواب حواره مع الحريري وما يمثل ستظل مفتوحة حتى بعد انتهاء المهلة الدستورية، واستطراداً حتى وان لم يلفظ الحريري الجواب الحاسم والنهائي الذي ينتظره، مؤكداً بذلك وفي شكل عملي انه وان أراد الرئاسة الاولى، لكنه يفتح آفاقه وابوابه على ما يتعدى ذلك وبالتحديد على انجاز سياسي كبير بحجم المصالحة الوطنية والتأسيس لقواعد لعبة سياسية تهدم جدار العزل والفصل المرتفع منذ نحو عشرة اعوام بين الافرقاء، شاطراً الساحة ومقسماَ الرأي العام.
– لأن عون يرد بدعوته تلك بشكل غير مباشر على الهجمات المتتالية التي تعرض لها لا سيما بعد اللقاءات الباريسية، ويؤكد انها ليست أكثر من تمنيات وامانٍ تعتمل في نفوس المروجين لها ومنها ان الحريري يتعاطى باستخفاف وبلا مبالاة مع عرض عون، وان ثمة سلبية تجاهه لدى القيادة السعودية.
ومهما يكن من أمر فالثابت أكثر من مصدر ان “حزب الله” في جو العرض الذي قدمه العماد عون، وهو على قناعة ضمنية بأن عون لا يبادر لكي يحرج الآخرين، بل هو ينطلق في مبادرته من مناخات ايجابية بين الحزب و”تيار المستقبل” سرت منذ انطلاق الحكومة الحالية وعبَّر فيها رموز من الطرفين عن رغبتهم في إنهاء حال القطيعة الطويلة بينهما.
وأولاً وأخيراً يعرف عون ومعه “حزب الله” والآخرون أن ثمة مرحلة من اعادة التموضعات والتفاهمات والحسابات في المنطقة عموماً ولبنان لن يكون بمنأى عنها.