لأن حلفاءه لا يُبدون حماسة لترشّحه وخصومه لا يثقون بممارساته المزاجية
عون يروّج لمقولة «الصفقة» ليحمّل الحريري مسؤولية الإنقلاب عليه
لا ينفك بعض وزراء ونواب «التيار الوطني الحر»، يروّجون وبوتيرة متسارعة لمقولة وجود «صفقة» سرّية ما تمّ التوصل إليها بين النائب ميشال عون والرئيس سعد الحريري
لا ينفك بعض وزراء ونواب «التيار الوطني الحر»، يروّجون في لقاءاتهم السياسية والإعلامية وأحاديثهم العامة وبوتيرة متسارعة لمقولة وجود «صفقة» سرّية ما تمّ التوصل إليها بين النائب ميشال عون والرئيس سعد الحريري في لقائهما الشهير بباريس منذ أشهر، تقضي ضمناً بتأييد كتلة المستقبل النيابية ترشّح زعيم التيار الوطني الحر لمنصب الرئاسة الأولى، باعتبار هذا التأييد يشكّل رافعة كبيرة وضماناً لمثل هذا الفوز، مقابل أن يدعم الأخير تولي زعيم تيار المستقبل لمنصب الرئاسة الثالثة طيلة مدة ولايته، وبما يضمن انطلاقة مميزة للعهد الجديد من خلال هذا التعاون.
ولا يتوقف هؤلاء في أحاديثهم عن هذه «الصفقة» المزعومة عند هذا الحد، بل يوهمون محدثيهم بكثير من التأكيد والإصرار بأن مفاعيل هذه الصفقة حاصلة لا محالة، وأنها ستترجم بين ليلة وضحاها برغم كل الضجيج والصخب السياسي الحاصل من هنا وهناك، مبررين عدم ترشح النائب عون حتى الآن، بالتريّث باعتباره مرشحاً توافقياً وجامعاً، ولا يريد الانجرار الى هذا الطرف أو ذاك منذ البداية، وينتظر استنزاف قدرات المرشحين المطروحين حالياً وفي مقدمتهم رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع الذي لم يستطع حيازة أي صوت من خارج تحالف قوى 14 آذار، بينما يطمح زعيم التيار العوني ليكون جامعاً لأصوات حلفائه التقليديين والعديد من أصوات خصومه السياسيين في المرحلة المقبلة.
ويستند هؤلاء الوزراء والنواب العونيون في تفاؤلهم «المفرط» بقرب اتمام هذه «الصفقة» الموعودة الى جملة تبدلات وتطورات محلية واقليمية ودولية ملحوظة حصلت في الاشهر الماضية وادت الى زوال العديد من الاعتراضات والموانع التي كانت تحوول دون ترشح النائب عون لمنصب الرئاسة الاولى، وهي نفس العوامل او بعضها التي ادت الى تسهيل ولادة حكومة الرئيس تمام سلام الحالية برغم الصعوبات والعقبات التي اعترضتها منذ البداية.
ولكن يبدو ان التمنيات والتوقعات التي ينشرها هؤلاء الوزراء والنواب العونيون بقرب اتمام هذه «الصفقة»، ما تزال تواجه بسيل من الاسئلة الصعبة والمعقدة التي لا تلقى سوى الصمت او التهرب من الاجابة عليها، لا سيما ما يتعلق منها ببرنامج زعيم «التيار العوني» الذي يطرحه للترشح على اساسه، او علاقاته مع «حزب الله» والنظام السوري، وكيف يبرر ممارساته السابقة التي تتعارض مع توجهات شرائح واسعة من الشعب اللبناني، وهل تكفي مهادنة «تيار المستقبل» لاشهر معدودة لتبييض صفحة ما ارتكبه ومارسه النائب ميشال عون بشكل ممنهج وبتحريض ملحوظ من «حزب الله» ضد مسيرة السيادة والاستقلال وكأن شيئاً لم يكن وبهذه البساطة والسذاجة.
وفي اعتقاد مصادر نيابية بارزة، فان ترويج الأوساط العونية لمقولة «الصفقة» الموعودة مع زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بهذا الالحاح وعلى كل المستويات بالتزامن مع انطلاق معركة رئاسة الجمهورية، والتشديد المتواصل على أن عون في انتظار الجواب النهائي من الأوّل لاعلان ترشحه رسمياً، ما هو الا محاولة مكشوفة للتهرب من الترشح والخروج نهائياً من معركة السباق إلى بعبدا، وملقياً مسؤولية عدم ترشحه لتراجع الحريري عن «الصفقة» المزعومة، بعدما ظهر بوضوح ان كل ما روج من اخبار وأحاديث وفبرك من روايات عن تفاصيلها كان غير صحيح، ولم يلق اي ترجمة عملية او تجاوب من «تيار المستقبل»، وبقيت هذه الاخبار تدور في حلقة مفرغة داخل «التيار الوطني الحر» باعتبارها محاولة من الاخير لتوظيف ما حصل من تسهيلات بشأن تأليف الحكومة السلامية لصالح ترشح النائب عون لانتخابات الرئاسة الأولى، في حين يعلم القاصي والداني ان ظروف تشكيل الحكومة الحالية، تختلف كلياً عن ظروف انتخابات رئاسة الجمهورية، وبالتالي فان طرح مسألة ما قيل عن «تسهيلات» عونية لتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، لا يمكن ان يقايض او يقارن بإعطاء تسهيلات مقابلة لترشح عون او غيره لمنصب الرئاسة الاولى، لاختلاف معايير وظروف كل منهما عن الأخرى.
وتُشير المصادر النيابية البارزة إلى انه لا يمكن للنائب ميشال عون أن يطلب تأييد ودعم خصمه السياسي التقليدي «تيار المستقبل» بهذه السهولة، واستناداً الى ما روجه عن مقولة «الصفقة» المزعومة، من دون الاقدام على سلسلة خطوات ملموسة، تترجم عملياً على الأرض من خلال إعادة النظر بممارسات وسياسة «التيار الوطني الحر» في التعاطي مع سائر الاطراف اللبنانيين ونظرته الى القضايا المهمة والخلافية على وجه الخصوص، لتبديد كل الالتباسات والتساؤلات السلبية التي علقت في أذهان اللبنانيين في السنوات الأخيرة، ولاعطاء انطباع ايجابي مغاير يعيد احياء وترسيخ الثقة المطلوبة لأي صفقة محتملة ومرتكزة على أسس واضحة وثابتة تساهم في النهوض بلبنان ككل، وليس على اوهام لا تقدم ولا تؤخّر في التعاطي القائم.
وفي ضوء كل ما تقدّم، يبدو أن ما ينتظره «التيار الوطني الحر» من أجوبة محتملة لتقرير ما يتخذه من خطوات، قد يطول أكثر مما هو متوقع أو لا يكون على قياس ما توهمه بهذا الخصوص، ولا سيما أن حلفاءه لم يبدوا أي حماسة لترشحه أيضاً.