Site icon IMLebanon

غزة تردّ على تصعيد العدوان بصواريخ تصيب الإسرائيليين بالخيبة

غزة تردّ على تصعيد العدوان بصواريخ تصيب الإسرائيليين بالخيبة

رهان الاحتلال يصطدم ببأس المقاومة

حلمي موسى

وابتدأ اليوم الثالث للحرب الإسرائيلية بتكثيف الضربات الجوية الإسرائيلية من جهة وتوسيع نطاق إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.

وبدا أن التصعيد المتدرج من الجانبين يقود إلى استمرار الحرب أطول مما أرادت إسرائيل، وإلى بداية الإقرار بعجزها عن منع التدهور نحو الحرب البرية. وما يثير الذعر في إسرائيل أن المعركة ستطول في ظل استمرار إطلاق الصواريخ على مدى واسع يصل إلى حيفا.

وبدأت إسرائيل حفلة جنون باستهداف بيوت مَن تعتبرهم نشطاء في منظمات المقاومة، وصولاً إلى قتل عائلات بكاملها، ما رفع عديد الشهداء في أقل من 24 ساعة إلى حوالي الضعف وبلغ مئة شهيد، فيما ارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من 630. وانطلقت إسرائيل في مقاربتها الحالية من واقع العجز عن ملاحقة الصواريخ، فأصبحت تطمح إلى ردع الأهالي من جهة والتخلص من أكبر عدد ممكن من نشطاء الصواريخ. وتحدثت إسرائيل عن أكثر من 200 غارة جوية على القطاع، وعن إسقاط ما لا يقل عن 600 طن متفجرات حتى الآن، وهي أكثر بمئة ضعف مما شهدته عمليات سابقة في أيامها الثلاثة الاولى.

لكن هذه المقاربة سرعان ما ثبت فشلها على أوسع نطاق. فقد ازداد التفاف الجمهور الفلسطيني حول مقاومته التي أشعرته بالفخر، لقدرتها على مقارعة إسرائيل بشكل ندّي. وقد ردت المقاومة بإطلاق صواريخ على نطاق وصل إلى عراد على البحر الميت وإلى محيط حيفا. ولم تكتفِ بتوسيع النطاق بل شنت أعنف صليات، جعلت إسرائيل تعترف بأن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في القطاع يزدادان عزماً على المواجهة. وقد حققت الصليات إصابات مباشرة في كل من بئر السبع واسدود، فضلاً عن إصابات في غلاف غزة. وتضعف هذه الإصابات الثقة التي يوليها الإسرائيليون لمنظومة «القبة الحديدية» التي يزعمون أنها حققت في غوش دان فعالية بنسبة مئة في المئة وفي غلاف غزة بنسبة 90 في المئة. وقد اعترضت «القبة الحديدية» صواريخ في القدس وبئر السبع وديمونا، وأفلتت منها صواريخ في العديد من المناطق.

ومن الواضح أن مقاربتي العمل الإسرائيلية والفلسطينية المقاومة متقاربتان، لجهة درجات التصعيد ومنطق العمل. فمن ناحية الإسرائيليين، جرى الزج بحوالي 80 طائرة لتغطية أجواء القطاع وقصف كل المواضع المشتبه في أنها تحوي راجمات صواريخ أو مخازن صواريخ، أو حتى مطلقي صواريخ. وكان ذلك يرمي إلى منح الإسرائيليين، الذين ازدادت أعداد الواقعين منهم ضمن مدى النيران، نوعاً من الإحساس ولو المؤقت، بالأمان.

لكن الرد المقاوم كان عاصفاً، فتم تغيير مواعيد الإطلاق المفترضة وتغيير حجم الوجبات. وتحدثت الأوساط العسكرية الإسرائيلية عن ساعات ما بعد ظهر أمس بأنها الساعات التي شهدت أكثف صليات الصواريخ على مناطق بئر السبع وأسدود. وأسهمت هذه الكثافة في تعطيل جانب مهم من عمل منظومة «القبة الحديدية»، وحدوث إصابات مباشرة في عدد من المباني. وهكذا بدلاً من 80 و100 صاروخ في اليومين الأولين للحرب، أطلقت المقاومة أمس حوالي 150 صاروخاً. ونالت بئر السبع وديمونا صلية من عشرات الصواريخ مع غياب الشمس، ما جعل صافرات الإنذار لا تتوقف لفترة طويلة. وكذا كان حال حولون وبات يام وريشون لتسيون والرملة ورحوفوت ونيس تسيونا ويبنا. وأشعرت هذه الهجمات كل الإسرائيليين أنهم في مرمى النيران من غزة، وهو ما فاقم الشعور بالخيبة لديهم من الحملة الجوية.

وتتحدث أوساط إسرائيلية عن حقيقة أن نتيجة المعركة حتى الآن هي التعادل، ما يعني أن إسرائيل لم تفلح في تحقيق غايتها. وقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال عاموس يادلين إن إسرائيل تميزت حتى الآن بقدرة دفاعية جيدة، لكن قدراتها الهجومية ليست كذلك، والفلسطينيون على عكس ذلك قدرتهم الهجومية جيدة وقدراتهم الدفاعية ضعيفة.

ويعتقد الخبراء الإسرائيليون أن قدرة الشعب الفلسطيني في غزة على الاحتمال عالية جداً، وهي تمنح المقاومة نفَساً طويلاً. وبات على الجمهور الإسرائيلي أن يثبت قدرة كهذه، حيث يعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل لا تحتمل وضعاً كهذا لمدة تزيد على الأسبوع. ولذلك تتزايد الدعوات بالانتقال إلى الحرب البرية على أمل أن تسرّع هذه الحرب في حسم المعركة. لكن الفارق كبير بين الدعوات وبين العمل الفعلي.

فالجيش الإسرائيلي يستعرض، في عملية «الجرف الصامد»، حشد قواته ونشرها أمام وسائل الإعلام، ويعلن أنه أنهى الاستعدادات والتدريبات، وأنه جاهز لهذه المعركة. لكن عدداً من الخبراء السياسيين والعسكريين يراهنون على أن هذه الاستعراضات والتهديدات تعني أن الجيش لا يريد هذه المعركة. فهي في كل الأحوال، ومهما كان نطاقها واسعاً أم ضيقاً، مشوبة بتكاليف باهظة، ليست فقط مادية وإنما بشرية أيضاً. والأدهى أن أحداً لا يستطيع أن يقول متى تنتهي، ومتى يمكن إبعاد الملايين عن نطاق الصواريخ.

ومساء أمس أعلن قائد الجبهة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان «أننا مستعدون لتوسيع العملية إلى نطاقات أخرى، والقوات مستعدة وجاهزة. لقد جلت بين القوات، براً وبحراً وجهاز الشاباك وقيادة الجبهة الخلفية وباقي قوات الإسناد، ووجدت حافزاً ورغبة شديدين لتوفير الحماية لسكان دولة إسرائيل». وقد طلب الجيش الإسرائيلي من الفلسطينيين، سكان المناطق الحدودية، إخلاء منازلهم لأنها تقع في منطقة قتال متوقع. لكن قد يكون هذا أيضاً جزء من حرب نفسية واسعة بدأتها إسرائيل، واتصلت عبرها بمئات البيوت طالبة إخلاءها لخلق البلبلة.

وعموماً يجري سباق الآن بين العملية البرية وبين التدخل الأممي في الصراع بعد عرض المسألة على مجلس الأمن الدولي. وخلافاً للتعليقات الأولية التي وفرت لإسرائيل هامش مناورة ووقتاً لضرب «حماس» تتزايد حالياً الدعوات لوقف إطلاق النار. فقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الوضع في غزة بأنه «متفجر»، وأن المنطقة «لا يمكنها السماح بحرب قاسية أخرى». وتقريباً كانت هذه أيضاً رسالة وزير الخارجية الأميركي جون كيري وعدد من القادة الأوروبيين، ما يشير إلى احتمال تعزيز الجهود لإيجاد مخرج من الوضع القائم.

واعلن البيت الابيض ان الرئيس باراك أوباما عبّر أثناء اتصال هاتفي مع نتنياهو عن قلقه من مخاطر تصعيد العمليات العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين، وقال إن الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة في التفاوض على وقف لإطلاق النار. وأضاف «الولايات المتحدة تبقى مستعدة لتسهيل وقف للعمليات العسكرية بما في ذلك عودة الى اتفاق تشرين الثاني العام 2012 لوقف إطلاق النار».

ومن العوامل المشجّعة تغيير الموقف الرسمي المصري الذي صار أقرب إلى الموقف الأردني، ويطلب وقف النار فوراً، ويحمّل إسرائيل مسؤولية التدهور. وقد يساعد هذا الموقف مصر في استعادة دور الوسيط بين «حماس» وإسرائيل.