غزّة والموصل يجعلان 14 آذار تعيد حساباتها بعد تحوّلات الحريري وانفتاحه على الأخصام الخطر الوجودي يتهدّد الجميع والمخاوف من خريطة جديدة وشرق أوسط مُختلف
هي غزة مجدداً وهم أفرقاء 14 آذار ايضاً الذين رفعوا الصوت في وجه ما يحصل من مجازر ووحشية يرتكبها العدو الإسرائيلي، فالمشهد قد لا يكون مألوفاً تقول مصادر في 8 آذار او متاحاً دائماً بان يبادر الفريق السياسي نفسه الذي هو على خلاف استراتيجي مع المقاومة عمره سنوات كثيرة على دعم المقاومة الفلسطينية او على فعل الشيء ونقيضه، إلا إذا كان ما تقوم به 14 آذار هو فقط من جانب الشعور الإنساني ومن ضمن اللياقات والواجبات الاجتماعية . فالمشهد المتضامن لرموز في 14 آذار بدا لافتاً في الشكل والمضمون وان كانت 14 آذار قطعت قبل نحو سنتين الخطوط والحواجز بزيارتها الى غزة التي طرحت في حينها ألف علامة استفهام في ظل العلاقة المتوترة بين 14 آذاروحزب الله يومها.
وسألت المصادر هل بدأت 14 آذار فعلاً تشعر بالخطر الوجودي والتطورات الدراماتيكية التي تحصل في المنطقة والتي لن توفر لبنان في طريقها وهل هي الصحوة المتأخرة لها في ظل ما يحصل في الموصل والعراق من تطهير ديني على يد داعش وما يحصل من إبادة للشعب الفلسطيني في غزة، او هي مجرد فولكلور وحسابات تجريها هذه القوى ام هي فعلاً صرخة انسانية وموقف تضامني من القلب الى والقلب من الفريق الذي اختلف مع مقاومة حزب الله والذي يطالب بنزع سلاحه فيما إسرائيل تقوم بإبادة منظمة للشعب الفلسطيني؟
بالطبع هي ليست الحسابات السياسية وحدها التي تفرض نفسها في الوقت الراهن، تؤكد المصادر فالزمن هو زمن التغييرات السياسية التي تشهد تبدلات ورسم خريطة جديدة لشرق أوسط مختلف، فما يحصل في غزة والموصل يجعل كل الأفرقاء تعيد قراءة الأحداث بصورة مغايرة، فتهجير المسيحيين من الموصل وتدنيس كنائسها التاريخية على يد «داعش» صار حقيقة، والدولة الإسلامية في العراق والشام التي تنفذ الإعدامات والتنكيل وتفرض شريعتها على المسيحيين وعلى من تصفهم بالكفار، لم تعد مجرد وهم او من اختراع حلفاء النظام السوري لترويع الأقليات وتخويفها، وما يحصل في عرسال تضيف المصادر والجرود الوعرة من تدريبات لمسلحين إرهابيين يقطنون الكهوف والمغاور وحيث يحكى عن سيناريوهات لديهم لمهاجمة القرى الشيعية او المسيحية المتاخمة صار ايضاً مطروحاً والأجهزة الأمنية تعمل على مراقبة هؤلاء في حين يخوض حزب الله من فترة الى أخرى معارك معهم وينفذ الطيران السوري غارات على معاقلهم على الحدود اللبنانية ـ السورية، فان ما يحصل بات عاملاً مقلقاً لكل الأطراف في لبنان وهذا ما جعل سعد الحريري يطلق شعار عدم توفير البيئة السنية الحاضنة، وربما ما حدا صقوراً في 14 آذار على التحرك دعماً لغزة من جهة وللموصل المنكوبة من جهة ثانية .
لكن هذا المشهد بنظر 8 آذار الذي لا يبرره إلا المخاوف الآذارية والتي جاءت متأخرة كثيراً على الداخل اللبناني الذي وحسب التوقعات سيشهد انتكاسات خطيرة بعد ان صار واضحاً ان تمدد داعش صار بدون ضوابط او روادع إقليمية ودولية، وبعدما ثبت ان الغرب او العالم كله تخلى عن غزة كما تخلى عن العراق، وبالتالي فان لبنان الذي يترنح تحت وطأة ملفاته المتشعبة وخلافات الأفرقاء فيه قد لا يكون إلا تفصيلاً صغيراً ايضاً في حسابات هذه الدول، وبالتالي فان الغرب او الدول التي لم تحم العراق فهي لن تخوض معركة او تتورط من اجل لبنان.
وإذا كان مشهد 14 آذار قد تغير كثيراً منذ تحولات الحريري ودخوله الحكومة ومنذ الحوارات التي دارت بين الحريري وعون والتي انطلقت مؤخراً بين المستقبل وأمل، فان الحرب على غزة تقول المصادر كما تهجير المسيحيين من الموصل من شانها ان تجعل 14 آذار تعيد تصويب البوصلة بعض الشيء وليس تبديل المشهد بأكمله، وتبقى المفارقة قائمة في كلام السنيورة وهو يتحدث بين ممثلي حماس وفتح عن بطولة المقاومة الفلسطينية التي تمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها، في حين ان حمل حزب الله سلاحه لمرحلة خلت كان يمثل خطورة على الداخل، وكذلك مشاركته في الحرب السورية.
وعلى ما يبدو فان 14 آذار بدأت تدردك فاولاتها على حدّ قول المصادر وما أخطأت به وأن الرياح في الشرق تجري عكس التيارات، هذا الواقع ينطبق بحدوده الدنيا أقله على رهاناتها الإقليمية. يدرك الآذاريون جيداً انهم يدفعون ثمن التوافق الإقليمي من رصيدهم الداخلي وعلى حسابهم، ويدفعون ضريبة الاتفاقات والتسويات الحاصلة، ويدرك الآذاريون اليوم ان الرئيس السوري لم يسقط بعد وربما ستصبح الحاجة له أقوى في الحرب على الداعشيين ذات يوم. من هنا كان لا بد من وقفة تضامن مع غزة وما يجري فيها.